كانت النقاشات التي دارت بين رئيس الوزراء ومجموعة من الشباب الناشطين من محافظة الطفيلة مفيدة وصريحة، كما علمت من وزراء حضروا اللقاء والشباب، تطرق الرئيس إلى مخططاته المستقبلية، فيما تحدث الشباب عن هواجسهم ومواقفهم، وبعض الملاحظات حول الأوضاع الخدماتية في محافظتهم.
وكان الرئيس قد التقى قبل أسابيع قليلة مجموعة من الشباب، على مائدة عشاء غير رسمية، وممن لديهم مواقف نقدية معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يخلُ اللقاء من الصراحة والجرأة، وهكذا تستمر لقاءات الرزاز مع مجموعات متنوعة ومتعددة، في محاولة منه للاشتباك أكثر مع هذا الجيل وإثارة النقاشات والحوارات التي تؤدي إلى خلاصات مشتركة وفهم متبادل.
بخلاف الصورة النمطية السطحية، التي هيمنت على عقول الجيل القديم، فإنّ جيل الشباب الأردني أثبت منذ احتجاجات الرابع أنّه على درجة عالية من الوعي السياسي والثقافي، بمعنى الجيل الجديد الطموح المتحفّز للإصلاح والتغيير، وأيّاً كان مستواه التعليمي فمن الواضح أنّه مسكون بالطموح والبحث عن الأفضل ومشتبك بالشأن العام، ولديه إلمام بتفصيلات هائلة ضمن المشهد السياسي.
على الطرف الآخر تتحدّث الحكومة عن مشروع طموح في النهضة الوطنية، بالرغم من التصاقها بأزمة مالية معقّدة – مرتبطة ببرنامج صندوق النقد الدولي ومشروع ضريبة الدخل غير المرغوب به- تحاول التخلّص منها والانطلاق إلى الأمام، وتقديم رؤيتها المتكاملة لأركان الإصلاح السياسي، الاقتصادي، الإداري والمجتمعي.
لا تكمن المشكلة – التي تواجه الحكومة- فقط في الأزمة المالية والضغوط الشديدة التي تتعرض لها الشريحة الاجتماعية العريضة اليوم؛ فما يضاعف كلفة هذه الأزمة سياسياً واجتماعياً هو الوادي العميق من انعدام الثقة بين الحكومات والشارع، وانطباع منتشر تجاه الفساد وغياب العدالة في الفرص السياسية والاقتصادية، ما يُنتج مناخاً سلبياً يخيّم على المزاج الاجتماعي العام.
إذا أردنا تشبيك الأمور ببعضها، فنحن أمام جيل شاب متعطّش إلى التغيير وحكومة تؤمن به بصورة كبيرة، في مواجهة تركة ثقيلة من الإحباطات والوعود غير المنجزة وجبال متراكمة من السياسات الخاطئة عبر أعوام طويلة، أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من هذه الشكوك العميقة في أي طرح إصلاحي.
ما هو أسوأ من ذلك، لو أردنا الوصول إلى مستوى أوضح من المكاشفة، أنّ المسؤولين خسروا فرصاً عديدة سابقة لإثبات جديتهم بالإصلاح، وفي كلّ مرّة نتجاوز منعطفاً خطيراً نعود إلى منطق Business as Usual، والتسخيف من حجم الأزمات وخطورتها، والاستهتار بأجراس الإنذار التي تقرع.
في المحصلة، المواطنون ملّوا من لعبة “شراء الوقت”، من قبل الحكومات، وهي اللعبة التي ندفع ثمناً باهظاً لها اليوم من مصداقية الدولة وسمعة الحكومات لدى المواطنين، فأي حديث عن إصلاح سياسي ومشروعات وطنية ومكافحة فساد لا يلقى أذناً صاغية، بل يقابله شعور بأنّ لا أمل بتغيير حقيقي!
وهكذا لم تعد المشكلة حالياً في تغيير سياسات الحكومات، بل في المزاج المتشائم لدى الشارع، وأصبح التحدي الأكبر استعادة ثقة الشارع مرّة أخرى، وهي مهمة ثقيلة وصعبة ومعقّدة، لأنّنا لا نتحدث عن بحبوحة من الوقت وأوضاع مريحة، بل عن وقت مضغوط وظروف ضاغطة على الجميع.
بالرغم من ذلك أكثر ما تحتاجه الحكومات اليوم بالتزامن والتوازي مع التخطيط والتفكير في إطلاق مرحلة جديدة هو إعادة توليد الطاقة الإيجابية، بخاصة لدى جيل الشباب، وشحن بطاقات التفاؤل في نفوسهم بإمكانية التغيير والإصلاح، وبإدماجهم في هذا المشروع لإنقاذنا جميعاً من حالة الإحباط التي تقتلنا آثارها أكثر من أزمة مالية أو اقتصادية خانقة!
د. محمد ابو رمان