من المهم التوقف عند تصريحات وزير الخارجية، أيمن الصفدي، مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أوّل من أمس، بخصوص الأوضاع في الأراضي المحتلة والأزمة السورية، لأنّ فيها رسائل أردنية واضحة للأطراف الدولية والإقليمية.
إذا تجاوزنا الأراضي المحتلة والمجزرة الإسرائيلية في غزة (سنعود لها في مقالٍ لاحق)، إذ قال الصفدي “المملكة منحت أكثر من 94 ألف تصريح عمل حتى الآن للاجئين سوريين في الأردن، وهناك أكثر من 150 ألف طالب سوري يدرسون الآن في المدارس الحكومية الأردنية، ووصل الأردن لطاقته الاستيعابية”.
وأضاف “لا نستطيع أن نتحمل المزيد من اللاجئين، سنعمل بالتشاور والتنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا للحفاظ على منطقة خفض التصعيد، لأن ذلك كما قلت يحقن الدم السوري ويحول دون المزيد من التشريد والصعوبات والدمار لسورية”.
ثم أنهى كلامه بتحذير صريح مرتبط ببعض النقاشات الدولية والسيناريوهات في المرحلة المقبلة، بالقول “ستتخذ المملكة كل ما يلزم من خطوات لحماية أمنها ومصالحها الوطنية في ذلك المجال”.
ما هي خلفية هذه الرسائل والتحذيرات؟
ذلك مرتبط بأكثر من صعيد؛ الأول بعض الاقتراحات الدولية بأن يتم نقل مقاتلي جيش الإسلام من الغوطة الشرقية- دوما إلى درعا، لأنّ هذا الجيش قريب في الأصل من السعودية، وهو الاقتراح الذي رفضه الأردن مباشرةً، واعتبره بمثابة تحضير لنقل الكرة الملتهبة إلى الجنوب السوري، الذي يحظى بحالة من التهدئة الاستثنائية مقارنةً بكل المناطق السورية الأخرى.
ومن الواضح أنّ ذلك المقترح انتهى من حيث وُلد؛ إذ بدأت أمس عملية نقل مسلّحي جيش الإسلام مع عائلاتهم إلى جرابلس في الشمال، ما حمى درعا ومنطقة خفض التصعيد من سيناريو مقلق جداً، سواء بإيجاد ديناميكيات جديدة للصراع بين الفصائل السورية المسلّحة، أو إيجاد مبرر للقوات السورية لاجتياح درعا، والسيطرة عليها.
أمّا الصعيد الثاني، الذي يُقرأ من خلاله تحذير الصفدي، فهو ما يتعلّق بمنطقة خفض التصعيد في درعا، التي تمت باتفاق روسي أميركي وتنسيق أردني كامل، لأنّ الأردن يكاد يكون الدولة الوحيدة التي تمتلك علاقات جيدة مع الدولتين.
الآن، هنالك شكوك وقلق أردني كبير حول سؤال “ما بعد الغوطة”، بخاصة في ظل التوتر الكبير بين الروس والأميركيين، ووجود مؤشرات لتطوّر في الصراع قد يصل إلى مرحلة غير مسبوقة، وهو ما يجعل من كلام الصفدي عن وصول الأردن إلى أقصى طاقته الاستيعابية للأشقاء السوريين بمثابة رسالة واضحة، بأنّنا لن نتقبل أي ضغوط دولية في حال انتقلت المعركة إلى درعا، ولو أدى ذلك إلى إجراءات أردنية غير مسبوقة على الحدود!
في وقت سابق، وصف مسؤول أردني أي مواجهة إيرانية-أميركية في جنوب سورية بمثابة “كارثة على الأردن”، لأنّها تؤدي إلى إشعال هذه المنطقة المحاذية، وهو السيناريو الذي يستبعده مسؤولون أردنيون يرون أنّ هنالك خرائط واتفاقيات وتفاهمات واجتماعات تعقد في عمان كلها مرتبطة بخفض التصعيد، فأي تطور في هذا المجال قد يؤدي إلى فتح باب الجحيم على الجميع، وانهيار المعادلات كلّها التي قامت عليها درعا، ولا يعتقدون أنّ ذلك في صالح إيران أو النظام السوري حالياً، في حال كان هنالك قرار بالاتجاه نحو درعا!
على أيّ حال، ما كان سابقاً بمثابة وضع غير مقلق للأردن في مرحلة سابقة، أصبح مشكوكاً فيه اليوم، مع التوترات الأميركية-الروسية، والتصريحات المتضاربة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول نوايا أميركا في سورية!
د. محمد ابو رمان