اكتظت قاعات مكتبة شومان بالآلاف، أغلبهم من الشباب، أتوا في ساعة الذروة من أزمة السير في عمّان ليستمعوا لمحاضرة د. عمر حتاملة بعنوان المستقبل والابتكار، أول من أمس.
وبعد أن ضاقت مساحة المنتدى المخصصة للمحاضرات، اضطرت الصديقة فالنتينا قسيسية (الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان) وفريقها النشيط إلى الاستعانة بمبنى المكتبة الكامل، لاستيعاب هذا العدد غير المسبوق من المتواجدين.
الحضور أتى مهتماً بهذا الموضوع المثير. لكنّه في الوقت نفسه كان حريصاً على مشاهدة العالم الأردني المميز، والاقتراب من شخصية هذا الشاب الذي نجح في تحقيق إنجاز كبير، ووصل إلى مراحل متقدمة في وكالة ناسا الأميركية، وهو اليوم المدير التنفيذي للابتكار في المؤسسة العالمية، وأصبح مطلعاً وملماً بالابتكارات والاكتشافات العلمية والمنهجية المتبعة في أعرق وأقوى المؤسسات البحثية والتقنية اليوم في العالم.
كان حديث الحتاملة جميلاً وممتعاً وهو يعرّفنا على حجم التحولات والابتكارات في عالم التكنولوجيا وعالم الذكاء الاصطناعي، وما يؤدي إليه ذلك من متغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية في سوق العمل. لكن الموضوع بدا بعيداً قليلاً عن الواقع المحلي، وربما عن السؤال الذي توقعنا الاستماع إلى الإجابة عنه: كيف نطوّر هذا الحافز لدى الشباب الأردني؟!
ربما كانت تكفي تجربته الشخصية ورحلته من الأردن إلى الولايات المتحدة الأميركية والتحديات والصعوبات التي واجهها لتقدم للحاضرين بعض الإشارات والإرشادات لتحقيق الإنجاز والنجاح في مجال العلوم والبحث العلمي وحتى المؤسسي.
الحتاملة نموذج على إمكانيات الشباب الأردني ودليل ناصع على حجم الطاقات الكامنة لديه، وقدرته على تحقيق المستويات العليا في العلم. لكن – في المقابل- هنالك نماذج لآلاف الشباب الأردنيين المبدعين في حقول مختلفة ومتنوعة، وأخرى لديها الطاقة الكامنة والاستعداد لو وجدت الى ذلك سبيلا!
ما نحتاجه اليوم بحق، ويمثل تحديا حقيقيا لنا هو كيف “نوطن الابداع” والابتكار ونؤسس للبيئة الحاضنة للمهارات في التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب والمجتمع المدني؟ كيف تتحول مؤسساتنا المختلفة من بيئة طاردة للشباب المبدع المفكر ومسربة له نحو الخارج إلى بيئة تحتفي بالمبدعين والمبتكرين، ليس فقط في مجال العلوم، بل مختلف المجالات، الأكاديمية والعملية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية؟
الأهم من ذلك كيف تنتقل العدوى الإبداعية، وتوطد مناخا جديدا يغير من المزاج العام السلبي الراهن، كيف يتحول تفكير الشباب اليوم من الاحتجاج والغضب والاحتقان إلى التطوير والإبداع والإنجاز؟
لعلّ ألطف ما قاله الحتاملة في نهاية محاضرته أنّ التغيير اليوم أصبح ممكناً بأقل التكاليف، ويعتمد على العقل وقدراته، فأصبح اقتصاد المعرفة على درجة عالية من الأهمية، ربما هذا يعيدنا أيضاً إلى قيمة البحث العلمي المهدرة في بلادنا، وضرورة أن يتم تخصيص جهود أكبر للأبحاث العلمية وربطها بالاقتصاد والمجالات المختلفة.
ما تؤكده محاضرة الحتاملة وأكثر منها هذا الحضور المهيب للشباب لها، هو أننا ظلمنا جيل الشباب لدينا كثيرا بأحكام مسبقة عامة غير صحيحة، وبصورة انطباعية خادعة، وعممنا الاتجاهات السلبية على حساب المشهد العام المتخم بنماذج رائعة ومغايرة.
د. محمد ابو رمان