كتّاب

“أبو غريب”.. وتسألون عن مصدر الإرهاب

في الذكرى الخامسة عشرة للغزو الأميركي للعراق، سجلت وكالة “رابتلي” الروسية على موقع “يوتيوب” للفيديوهات شهادات عدد من السجناء العراقيين السابقين في سجن أبو غريب سيئ الصيت والسمعة. السجن كما هو معروف كان تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الأميركي منذ عام 2003 ولغاية 2006  حيث أغلق إلى أن تم افتتاحه لاحقا وحمل اسم سجن بغداد المركزي.
أول مرة أستمع لضحايا “أبو غريب” وهم يسردون قصص التعذيب الوحشي في السجن. لقد سبق أن نشرت روايات موثقة في الصحافة العالمية والأميركية التي كان لها الفضل في كشف الحقائق المروعة عما يدور داخل السجن من عمليات تعذيب جسدي وجنسي ونفسي، لكن أن تسمعهم مباشرة شعور مختلف تماما تشعر بعده بألم لا يوصف.
صور التعذيب التي تسربت من السجن انتشرت في أرجاء العالم، ومثلت وصمة عار في جبين قوات الاحتلال الأميركي، التي أظهر أفرادها سادية لاحدود لها في تعذيب واغتصاب أشخاص أبرياء وأطفال ونساء.
فتحت الإدارة الأميركية تحقيقا في الموضوع، وصدرت أحكام قضائية بحق 11 عسكريا، لكن المأساة كانت أكبر من أن تغتفر أو تمحى من ذاكرة ملايين البشر.
ضحايا التعذيب هم أشخاص محطمون اليوم يتذكرون تلك الأيام ولا ينسونها فقد تركت جروحا غائرة في كرامتهم واجسادهم وقتلت أرواحهم.
الآلاف من العراقيين مروا بتجربة سجن أبو غريب، المئات منهم لقوا حتفهم تحت التعذيب، ونسبة غير قليلة خرجوا بعاهات دائمة.
غزو العراق وإسقاط نظامه فتح باب الجحيم على منطقتنا. منذ ذلك اليوم المشؤوم من شهر آذار لسنة 2003 صار حاضر بلدان المنطقة ومستقبلها يكتب بالدم.
مأساة أبو غريب كانت اللحظة القاتلة في مسار من الوحشية لم يتوقف بعد. انطلقت الاحتجاجات الغاضبة من السلوك الأميركي المتوحش في كل مكان بالعالم، لكن في العراق وحولها حصل ما هو أفظع بكثير. لقد ولدت ثقافة التوحش أيضا، بعد أن هزت صور أبو غريب المروعة الروح من أعماقها.
استثمرت الجماعات المتطرفة بشكل فعال في الجريمة الأميركية، وانتقل الآلاف من العراقيين المسالمين والمعتدلين إلى صفوف الجماعات المتطرفة. تفيد الدراسات أن من بين قيادات “القاعدة” و”داعش” في العراق أشخاصا قضوا فترات في سجن أبو غريب وتعرضوا لأبشع الانتهاكات لإنسانيتهم، وآخرين شهدوا اغتصاب ذويهم هناك أو تلقوا الشهادات من المعتقل الرهيب عما تعرض له أفراد من أسرهم.
من هناك من سجن أبو غريب انفلت عقال الإرهاب في العراق ليضرب المنطقة برمتها.
صور أبو غريب تركت بصماتها على العنف الطائفي في العراق والمنطقة، وأطلقت سلسلة من الفروع الميدانية للقاعدة في أكثر من قطر عربي. في كل مناسبة يظهر فيها قادة الجماعات الإرهابية كانت صور أبو غريب حاضرة. إرهاب في مقابل إرهاب، تلك هي المعادلة التي أفضت إليها الممارسات الوحشية في المعتقل الأميركي.
حين يستعرض المرء فصول تلك المأساة وصورها ويستمع لشهادات ضحاياها، لايحتاج للكثير من الاجتهاد والبحث ليجيب عن سؤال الإرهاب ومصدره في منطقتنا التعيسة. القهر يولد التطرف.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *