وحدها الدول العاقلة، لا تبقى أسيرة لاي ازمة وقعت فيها، بل تقرأ الازمة من زاوية مختلفة تماما، وتخرج من ازمتها، اكثر قوة، اذا استطاعت الاستبصار، واذا تملكتها بصيرة نقية.
مناسبة هذا الكلام، ما نراه من ردود فعل حول فاجعة البحر الميت، والمأساة التي وقعت، يجب ان لا تخفي كل المشهد، ونحن هنا نسأل امام حالة التأثر العام، عن أزمات مستمرة، وازمات متقطعة، لا يلتفت اليها احد، برغم انها اكثر سوءا، مما رأيناه في البحر الميت.
كم عدد الضحايا الذين رحلوا ا وجرحوا على الطريق الصحراوي، خلال الأعوام الأخيرة،ـ وكم عدد الذين غرقوا في قناة الغور، خلال السنين الأخيرة، كم عدد الذين غرقوا في سد الملك طلال، خلال السنين الأخيرة.
كم عدد الذين يرحلون كل عام في حوادث السير، والتقديرات تتحدث سنويا عن خمسمئة الى الف ضحية، إضافة الى خمسة عشر الى عشرين الف جريح سنويا، كم عدد الذين يرحلون بسبب أخطاء طبية، معلنة او مستترة؟!.
كم عدد الذين غرقوا في البحر الميت ذاته، خلال السنين الأخيرة، بسبب السباحة، او أي ظرف آخر، كم عدد الذين يرحلون بسبب العنف الاجتماعي، كم عدد الذين يفقدون حياتهم تدريجيا، بسبب نقص الدواء، او سوء التغذية، او أي سبب آخر؟.
القصة هنا ليست مبالغة، ولا سوداوية، ولا محاولة لبث اليأس في قلوب الناس، لكنها بكل وضوح تتعلق بالازمة الأكبر، من الازمات الصغيرة، التي تستأثر بردود فعلنا، أي موقع الانسان الأردني في السياسات العامة، وحمايته وصون مكانته وحقوقه، بكل الطرق.
هذه هي الازمة الكبرى الواجب الوقوف عندها اليوم، بدلا من المشهد المؤقت، القائم على الغضب والعاطفة، إزاء شهداء البحر الميت، لان العاطفة سوف تتبدد، وكل طرف مسؤول سوف يحاول ان ينجو من دفع فاتورة الحادث، باعتبار ان طي الملفات، امر ممكن عادة، خصوصا، اذا تولدت ازمة جديدة، انست الجميع، الازمة التي سبقتها.
ما يراد قوله اليوم، ان حادثة البحر الميت لا تقف عند حدودها، والاصل اليوم، ان يدعو مركز القرار والجهات ذات الصلة الى ما هو اهم، أي مراجعة كل السياسات، المتعلقة بالإنسان الأردني، والاضرار التي يتعرض لها سنويا، بوسائل مختلفة، وهي اضرار يتفرج عليها الجميع، بل ان بعضنا بات يعتبرها امرا عاديا، لا يوجب كل هذا الاستنفار، ورد الفعل، بعد ان باتت حالة مزمنة.
حادثة البحر الميت، اثارت كل هذا الغضب، بسبب وجود الأطفال، وشكل وتوقيت الحادثة، والتفاصيل المؤلمة، لكنني حقا، اراها بكل ما فيها، تتشابه مع حوادث تقع يوميا، باشكال مختلفة، اقل الماً او اكثر ايلاماً، ويتم التعامي عنها، باعتبارها مجرد حادث يومي، قد يقع مثله في أي بلد آخر.
الازمة الأكبر، ازمة بنيوية وعميقة، وبحاجة الى تفكيك، اذا تبقى لنا وقت كاف.
ماهر ابو طير