و نعود دائما الى ما هو حقيقي ومفيد بعد كثير من العناء والقلق والألم. كنا نعرف أن للأحداث وجهين، سلبي وإيجابي.
ففي كل ابتلاء يمكن أن نعثر على نقطة ايجابية تومض من بعيد، يجدر اعلاؤها لا طمسها في هدير الفاجعة الأليمة ووجعها وعلو صوت التفجع منها. وتبرز في حالتنا الشهيد البطل هاشم الزيادات العبادي والبطل زاهر العجالين والبطلة مجد الشراري ومئات رجال الدفاع المدني والقوات المسلحة والأمن العام والدرك والقطاع الطبي.
الآن، بفعل الهاتف الذكي والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والفضول الإعلامي والتلهف الإخباري، أصبح للأحداث ثلاثة وجوه، حقيقي وزائف وإشاعة هي خليط من الحقيقي والزائف، تتغلغل بيننا بسرعة الضوء، تفتك بالمشاعر والأعصاب وتستهدف الثقة بالذات والاعتزاز الوطني بالمنجزات والمعرفة اليقينية. وتزيح جانبا، المنطق والعقل. وتعصف بالقدرة على التفكير والتحليل. وتحول العاقل الى متلق عاجز مكبل، امام فيض من اشرطة الفيديو التي «تخزق العين».
فما أن تحل بنا مصيبة سيل او فيضان، كما اصابنا، حتى يذهب المنقبون والفضوليون والمتعطشون الى الحقيقة الى محركات البحث، يضعون كلمات: سد. سيل. فيضان، الخ… ليحصلوا على فيض مقاطع الفيديو قديمة وحديثة. اردنية وتركية واندونيسية وعمانية واثيوبية …، يوزعونها على أنها هي المصيبة التي حلت بنا.
هذا ما تم مؤخرا عندما تم توزيع وتعميم مقطع فيديو لتنظيف سد الموجب الذي تم قبل ثلاث سنوات، على انه مقطع لإفلات سد ماعين وتهريب مياهه التي أدت الى تشكل السيل الهائل الذي اودى بأعمار 21 من ابنائنا وبناتنا !!
لقد انطلت تلك الإشاعة الكاذبة، على مواطنين هالهم هذا الفعل الاجرامي !! والمشكلة ان الأمر لم يقف عند حدود تلقي ذلك المقطع المزيف، بل اسهم مواطنون كثر في تعميم تداوله، فاصبحوا دون ان يعلموا أداة في تروس الإشاعة المدمرة المدروسة.
أصابت الوطن مصيبة كبيرة في ابنائنا واهلنا، استدعت غضبا وحزنا نبيلين بدءا من الملك الى طلاب الصفوف الابتدائية الى الأمهات اللواتي تضامن مع اخواتهن وضجت وعجت وسائل التواصل الاجتماعي بفيض من مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية والأخبار والنكات والتعليقات والمطالبات بالإقالات والمحاكمات والمحاسبة الصارمة. كل هذا في حدود الحقوق الطبيعية للمواطنين.
مطلوب منا ان نقوم بحركتين فقط: اولا: التدقيق في ما نتلقى من «معلومات» عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانيا: عدم ارسال وتعميم ما يصلنا من منصات التواصل الاجتماعي، كي لا نتحول الى ادوات لتعميم الضرر والشر واغتيال الحقيقة والولوغ في الأعراض والإضرار بصورة الوطن.
ولاحظوا ان سد ماعين الذي حجب كمية مياه كان تدفقها الى سيل زرقاء ماعين، سيؤدي الى خسائر افدح في الارواح. اطلقت عليه شائعة انه تم فتحه وتدفقت منه كمية كبيرة من المياه هي التي جرفت ابناءنا. علما انه لم يكن في السد إلا ربع كميته وهي 495 الف متر مكعب. فهل يعقل ان يتم تصريف وتهريب المياه التي بني السد من اجل تجميعها؟
محمد داودية