كتّاب

ليست مجرّد فوضى

قرأت مقالة الملك حول التناحر في وسائل التواصل الاجتماعي، فاستعمل في مقالته، مصطلحات كثيرة، مثل التناحر ،العدائية، الكراهية، التضليل، الاشاعات، التجريح، الذم، القدح،السلبية، الشعور بالإحباط، غياب اللياقات، غياب الحياء، الريبة، الارباك، التشاؤم، تصفية الحسابات، الاخبار المزيفة، الاخبار الكاذبة، اغتيال الشخصية، وغير ذلك من مصطلحات لتوصيف الحالة على منصات التواصل الاجتماعي.
هذا المشهد الذي نراه في وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن هكذا بدايات انتشار هذه الوسائل في الأردن، وعلينا ان نلجأ الى جهات متخصصة، لديها قدرة على تحليل البيانات، وهي موجودة في العالم، وسوف نكتشف ان هذه الظواهر على وسائل التواصل الاجتماعي، اشتدت مع بدء تراجع الثقة بالحكومات، من جانب الناس، وتغير الموقف من السياسات، عاما بعد عام.
الذي لديه صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، سيلاحظ ان هذه الحالة تشتد أيضا، في الازمات، وبسبب عوامل محددة، ابرزها غياب الرواية الرسمية المقنعة، إزاء احداث كثيرة، إضافة الى غياب المعلومات، وبسبب التراجعات الاقتصادية والاجتماعية، وانسداد الأفق في حياة الناس، وحالة الفقر المرتبطة بملفات الفساد، وسوء إدارة موارد الدولة، وتلاحق القصص السلبية التي تؤجج هذه الحالة.
هي ظواهر لم تنشأ، دون سبب، بل كانت هناك أسباب لهذه الظواهر، وهي التي بحاجة الى معالجة عميقة، حتى تختفي التأثيرات السلبية التي نراها.
ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي، مجرد مظهر للمشكلة، وحتى لو توقف الناس عن الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شيء سوف يختلف، اذ ان بعض ما نراه على هذه الوسائل، هو  ذات ما نسمعه في البيوت وأماكن العمل، وفي تعليقات الناس المختلفة، وكل ما فعلته هذه الوسائل هي زيادة الجرعة، وايصالها بشكل اسرع واقوى واكثر تأثيرا، من مجرد التداول على مستويات اجتماعية مغلقة.

من اجل معالجة هذه الحالة، لابد من معالجة جذرها، قبل مظهرها، وهذا الجذر يرتبط بقضايا محددة، ابرزها  استرداد الثقة بين الناس والمؤسسة العامة، الحرب على الفساد، وقف أي ممارسات غير عادلة، تغيير الرواية الرسمية من حيث شكلها ومضمونها ومصداقيتها، وقف التراجعات الاقتصادية، التخفيف من المشاكل الاجتماعية، وغير ذلك من قضايا.
ربما على كل واحد فينا، واجب عدم نشر الاشاعات، والتدقيق فيما تتم كتابته، وعدم تتبع كل خبر سلبي، لمجرد انه مثير، او جريء، او فيه خرق لكل السقوف، لكن في المجمل، هذه الممارسات الفردية، لن تنجح، ما لم يتم التنبه الى جذر المشاكل التي أدت الى هذه الحالة.
علينا ان نتخيل هنا، امرا واحدا، اذ ان حجب الفيس بوك والتويتر، مثلا، في الأردن، قد يؤدي الى وقف هذه الحالة في مظهرها الحي، لكن هل سيؤدي هذا الى وقف الحالة الأكثر عمقا، السائدة بين الناس، والمرتبطة بجذر المشاكل، وشيوع كل هذه السلبية والغضب على ألسن الناس، بعيدا عن مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا سؤال مهم، لابد من الإجابة عنه.
الحالة المرتبطة بالريبة والكراهية مثلا، تعبر عن قضايا اخطر، أي عدم الثقة، بالمؤسسات والأشخاص، والبحث عن جهات او اشخاص، لتحميلهم مسؤولية كل هذه التراجعات، وبهذه الحالة، يصير النقد عشوائيا، ويتجاوز قواعده الأخلاقية، التي نؤمن بها، فنحن امام حالة فوضى الكترونية، لكنها في الأساس، تعبير عن محنة اجتماعية قائمة امام عيوننا، نراه في وجوه الناس، الذين يعبرون بذات الطريقة فيما بينهم، عما يرونه من تراجعات على مختلف المستويات.
معالجة هذه الحالة، على مستوى الافراد، يكون عبر حل المشاكل من جذرها، لتجفيف بحيرة الأسباب التي أدت الى ما نراه، وبدون ذلك، سوف تتواصل هذه الظاهرة.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *