كتّاب

عملاء لا مواطنين

خارج سياق التعريف القانوني والسياسي يكاد مفهوم المواطن ومعه مفهوم المواطنة أن يتلاشى لصالح تعريفات أخرى متعددة أكثر شيوعا في حياتنا وتعاملاتنا.
في عرف المصارف المواطن عميل، وعند شركات الاتصالات والتأمين والتجارة زبون. أما شركات المياه والكهرباء فالمواطن بتعريفها مشترك،ولدى تجار المواد الغذائية مستهلك.
في قانون الضريبة مثار الجدل حاليا،المواطن رقم ضريبي، والمواطنة شرائح. وفي قانون الضمان الاجتماعي المواطن إما متقاعد أو عامل، والثاني مرغوب أكثر من الأول،لأنه يدفع ولا يأخذ.
عند الطبيب فأنت عزيزي المواطن مهما بلغت مكانتك مراجع مريض، كما الحال في الدوائر الحكومية،المواطنون فيها مراجعون. وفي نفس اليوم قد يحمل المواطن ثلاث أو أربع صفات؛فيكون مراجعا ومستهلكا وعميلا.
أفضل أشكال المواطنة بالنسبة للشركات ودوائر الضريبة هو أن تكون المواطن الزبون والعميل والرقم في ملفات الضريبة.
عندما تتقدم للدفع ستحظى بكل الحقوق والامتيازات، وحين تعجز عن الوفاء تتحول إلى مواطن مطلوب منبوذ لا تنال غير البلاغات القضائية والمطاردة من الأجهزة المعنية.
حتى في حقل السياسة التعريف المجرد للمواطن لا مكان له تقريبا.فإما أن تكون قيدا في سجل الناخبين أو ناخبا فعليا مارس حقه. الحق السياسي يجعل منك مواطنا برتبة ناخب.
بالمعنى الدستوري المواطنون سواسية لا فرق بينهم، لكن المواطنة كمفهوم عام تسقط تلقائيا أمام منطق الفئات والتقسيم الاجتماعي والطبقي.فإذا انتقلنا من حالة المواطن الفرد إلى المواطنين كمجموعات، نكون أمام تعريف مختلف كليا؛أغنياء وفقراء، طبقة وسطى وطبقة ذات الدخل المحدود، ثم يأتي التوزيع إلى شرائح حسب الدخل المادي؛ فئة أولى وثانية وثالثة من ذات الطبقة، وفقراء وفقر مدقع وهكذا، تغدو المواطنة شرائح وفئات وطبقات.
المفهوم التاريخي للمواطن والمواطنة كما عرفنا في النظريات الاجتماعية وكتب المفكرين الأوائل، يكاد يندثر في عصر الثورة التكنولوجية، والعولمة الاقتصادية. ومع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي، سنشهد قريبا مرحلة المواطن”الريبوت”. مواطن اصطناعي يؤدي نفس الوظائف التي يقوم بها مواطن من لحم ودم،لا بل وينافسه في القدرات.
لا نعلم بعد كيف ستتعامل الحكومات والشركات مع هذه الفئة الجديدة من “المواطنين”،هل ستطبق عليهم قوانين الضريبة؟وهل يمنحون حق الانتخاب؟
هنا يصبح السؤال عن الهوية والمواطنة محل تندر. المواطن المعاصر اليوم يحمل عشرات الهويات،الهوية الشخصية أقلها أهمية،يتقدم عليها رقم حسابك كعميل للبنك، وفاتورة الكهرباء والمياة وشركة الاتصالات، ورخصة القيادة وكلمة المرور لجهاز الكمبيوتر، والأهم هويتك كمواطن افتراضي يملك صفحة وحسابا على مواقع التواصل الاجتماعي. أكثر من خمسة ملايين أردني هم اليوم مواطنون افتراضيون،الفيسبوك هو هويتهم الأولى،وتصنيفهم كمواطنين لايعني شيئا مقابل هويتهم كناشطين مثلا. المواطنون بالنسبة لهم هم الأصدقاء والمتابعون على صفحاتهم وليس سكان حيهم أو بلدتهم أوحتى بلادهم، فالأصدقاء من البلاد البعيدة أقرب لبعضنا من جيراننا حتى لو كانوا”الباب في الباب” كما يقال.
متى يتذكر الفرد منا أنه مواطن؟ أظن أن التعبير صار غريبا بعض الشيء، فنحن طوال الوقت زبائن وعملاء وفي أحسن الأحوال أصحاب حسابات في عالم إفتراضي.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *