الضجة التي أثيرت حول نظام البصمة في المدارس ليس لها سوى معنى واحد، هو أن الكوادر التعليمية تعايشت لسنوات طويلة من نظام دوام “مرن” ينطوي على قدر كبير من التهاون في ساعات الدوام.
نقابة المعلمين، كسائر النقابات المهنية والعمالية، انحازت للمعلمين في احتجاجاتهم لاعتبارات انتخابية ومصلحية.
صحيح ما يقوله المعلمون بأن وظيفتهم متعددة المهمات؛ تعليم وتربية، وتحضير وتصحيح اختبارات وما إلى ذلك من عمليات يومية تستهلك وقتا طويلا من يومهم. لكن هكذا كان حال المعلمين على الدوام، هنا وفي كل مكان في الدنيا. لا أذكر عندما كنا طلابا على مقاعد الدراسة أن غادر أساتذتنا حرم المدرسة قبل أن يغادر آخر طالب.
وإذا كانت أيام المعلم الدراسية حافلة بالواجبات اليومية، فإن النظام التعليمي بالمقابل يمنحهم عطلة صيفية طويلة مدفوعة الأجر بخلاف أقرانهم من العاملين بمختلف المؤسسات الرسمية والخاصة، كما أن الحد الأدنى لساعات دوام المعلمين حسب تعليمات البصمة، لا تزيد على خمس ساعات “من الثامنة صباحا وحتى الساعة الواحدة والربع ظهرا”، وهي أقل بثلاث ساعات تقريبا من دوام موظفي القطاعين العام والخاص.
تثبيت الحضور والانصراف في المدارس ومعظم الدوائر الحكومية كان لسنوات قليلة يعتمد على نظام يدوي يقوم على توقيع الموظف على “دفتر الدوام” ساعة حضوره وانصرافه. وفي أغلب الحالات كانت العلاقات الشخصية بين الموظفين تغطي على التجاوزات المرتكبة؛ حيث يتولى الأصدقاء التوقيع نيابة عن زملائهم عندما يتأخرون عن الحضور. وفي أحيان كثيرة يتولى المهمة مراقب الدوام نفسه لاعتبارت الصداقة والزمالة والقرابة.
في أكثرية المؤسسات الحكومية لم يعد معمولا بهذا النظام المتخلف، وتم اعتماد “ساعة الدوام” ونظام البصمة الإلكتروني لضبط مواعيد الحضور والمغادرة، في خطوة نجحت إلى حد كبير في الحد من التسيب الوظيفي والغياب بدون عذر قانوني.
وفي المدارس الخاصة، نظام البصمة مفعّل منذ سنوات طويلة، ولم يعد هناك من مبرر لاستثناء المدارس الحكومية. وما المعارضة التي جوبهت فيها خطوة وزارة التربية إلا دليل على عدم رغبة أعداد واسعة من المعلمين بالخضوع لنظام رقابة إلكتروني لا يسمح بالتهرب أو التسلل قبل نهاية الدوام الرسمي. ولطالما تناقلت وسائل الإعلام قصصا عن تهاون موثق من جانب عديد المدارس تجاه مسألة الدوام، وانشغال معلمين بأعمالهم الخاصة على حساب ساعات الدوام المدرسي.
يتعين على وزارة التربية والتعليم أن تتمسك بموقفها وألا تقبل المساومة على نظام الدوام، مهما كانت الضغوط، فالمواجهة هي استحقاق طبيعي لعملية الإصلاح الإداري. وفي المقابل على مجلس نقابة المعلمين أن يتحلى بالمسؤولية ويكف عن مجاراة البعض في الميدان لاعتبارات مصلحية وشخصية لا تصب في صالح العملية التعليمية.
إن الحقوق المشروعة للمعلمين على جميع المستويات، يقابلها واجبات ليس أقلها الالتزام بعدد من ساعات الدوام، وغرس قيم الانضباط والعمل في نفوس الطلبة، ومن غير المعلم ليكون أهلا لهذه المهمة التربوية وأنموذجا لطلابه.
فهد الخيطان