أظهرت التحقيقات الأمنية والجنائية أن يونس قنديل مدير مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” قد اختلق وفبرك بأسلوب صبياني حادثة اختطافه وتعذيبه. لكن الشيء المؤكد أن سجال الكراهية والعدائية الذي صاحب قرار إلغاء مؤتمر المؤسسة وحادثة الاختطاف المفبركة كان حقيقيا وليس تمثيلا.
هنا الفصل الأخطر فيما أقدم عليه قنديل. صاحب الفكر “التنويري” كان يعرف عن كثب أن افتعال الحادثة سيعرض البلاد لاختبار صعب، ويؤزم المناخ المأزوم أصلا، ويقطع الطريق على محاولات احتواء الاحتقان والعداء بين تيارات فكرية وسياسية. وفي بيئة تحكمها ثقافة السوشل ميديا، كان معروفا لقنديل أن النقاش سيأخذ منحنى مضرا.
بهذا المعنى، جريمة قنديل ليست فبركة حادثة الاختطاف فحسب، إنما تعريض السلم الأهلي في الأردن للخطر. هل كان يدرك التداعيات الخطيرة لفعلته؟ هل خطط ونفذ بتنسيق مع أطراف خارجية أم لوحده؟ هذه وغيرها من الأسئلة ستجيب عنها وقائع التحقيق والمحاكمة.
لم يكن أحد حتى من خصوم قنديل ومؤسسته ليتردد لحظة في إدانة الحادث قبل أن تتكشف حقيقتها. ففي دولة مثل الأردن يعتمد بقاؤها على استقرارها وسلمها الأهلي، لا يمكن القبول أو التساهل مع جرائم الخطف والاختفاء والتعذيب، لأن بابا كهذا إذا ما فتح سيأخذنا إلى مدارك مرعبة لا يرضى بها أي مواطن مهما كان انتماؤه أو فكره.
لهذا وقف الجميع منددا بالحادث، ورافضا لمبدأ إقصاء أي تيار فكري بصرف النظر عن قناعاته.
لقد اختبرنا من قبل حادثا حقيقيا وليس مفبركا ذهب ضحيته مواطن أردني، وشهدنا نقاشا في حينه مؤذيا ومؤلما، توافقت غالبيتنا على العمل بكل الوسائل المتاحة لعدم تكراره، بل دفنه والانتصار لقيمنا في العيش المشترك.
واضح أن قنديل استوحى من تلك الحادثة فكرة خيالية سعى من ورائها لتصوير مشهد أخف وطأة من القتل، ليكسب التعاطف والشهرة، لكن السحر انقلب على الساحر.
والحادثة جاءت لتؤكد أن هناك وفي أوساط التيارات الفكرية والسياسية على اختلاف مشاربها أشخاصا بلغوا من التطرف والنرجسية حد المرض، ولا يتوانون عن توظيف مهاراتهم المعرفية للتلاعب بمشاعر الناس العاديين، ودفعهم نحو المغالاة والاستقطاب، دون أدنى اعتبار للنتائج الخطيرة المترتبة على هذا السلوك الغرائزي.
وإذا كانت ظروف المرحلة التي نعيشها في عالمنا العربي قد أفرزت على السطح جماعات وأتباعا لحركات دينية تتبنى القتل والإقصاء والوحشية منهجا، ففي أوساط القوى المحسوبة على اليسار والاتجاهات العلمانية من هم مستعدون لسلوك نفس الطريق لو تيسر لهم ذلك، لكن ضعفهم وقلة حيلتهم تدفعهم للاكتفاء بالقول لا الفعل، استبدادا وكراهية للآخر.
نخبنا بالمجمل في أردأ حال والمستنيرون منهم ظلاميون إذا وجدوا أنفسهم في اختبار حقيقي مع التعددية والتنوع. إنهم على استعداد لتشطيب ظهورهم ليقنعوا العالم بأن خصومهم لا يستحقون شرف الاختلاف بل الإقصاء والسجن.
يصح فينا القول المأثور “كلنا في الهم شرق”، وما بيننا من فروق مجرد اختلاف في ألوان الرايات.
فهد الخيطان