كتّاب

حقك تعرف

أطلقت الحكومة قبل أيام منصة إلكترونية تحت اسم “حقك تعرف”، بهدف محاربة الإشاعات والأخبار المفبركة، والمعلومات المغلوطة، وتصحيح البيانات والاحصائيات غير الدقيقة.
في البداية التبس الأمر على الكثيرين، واعتقدوا أن وظيفة المنصة هى الرد على أسئلة الناس، لكن القائمين على إدارتها عادوا لشرح وظيفتها بشكل أوضح.
المنصة ستتحرك من تلقاء نفسها للرد على الأخبار غير الصحيحة والإشاعات المتداولة، فيما تتولى منصة حكومية أخرى “بخدمتكم” مهمة الإجابة عن أسئلة وشكاوى الجمهور.
لكن ذلك لم يوقف سيل التشكيك بجدوى وصدقية المبادرة الحكومية، خاصة في أوساط ناشطي “السوشل ميديا” المعارضين للتعديلات المدرجة على قانون منع الجرائم الإلكترونية.
سبق لمعهد الإعلام الأردني أن أطلق مرصدا لملاحقة الإشاعات، ومراقبة التزام وسائل الإعلام بالمعايير المهنية في تغطية الأحداث، وحمل اسم مرصد “أكيد”. المرصد فرض نفسه كمرجعية موثوقة لتقييم أداء وسائل الإعلام في تعاطيها مع الأخبار، ولم تتعرض تقاريره للتشكيك، لكونه منصة مستقلة لا تتبع لجهة حكومية. وهناك منصة إلكترونية أخرى ناشطة بشكل ملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “صحح خبرك” تتولى تصويب الأخبار غير الدقيقة أولا بأول.
لكن الحكومة المنوط بها خدمة الجمهور كسلطة دستورية كان عليها أن تتحرك أيضا لمساعدة المواطنين على الحصول على معلومات دقيقة ومؤكدة وتفنيد الأخبار المفبركة، ودعم الحقيقة، ليتسنى للمواطن تشكيل رأيه استنادا لبيانات ومعلومات صحيحة.
وسواء كان المرء مؤيدا لسياسات الحكومة ام معارضا لها فلا يضيره الحصول على المساعدة من منصة “حقك تعرف” للتأكد من صحة معلوماته. لطالما حملنا الحكومات مسؤولية انتشار الإشاعات والأخبار المزيفة، بسبب تأخرها في الرد وتقديم المعلومات الصحيحة للجمهور. أخيرا قررت الحكومة الحالية القيام بواجبها على هذا الصعيد، فلماذا لا نمنحها فرصة لاختبار جديتها؟
الصحفيون  بمختلف وسائل الإعلام ومعهم جمهور عريض من الناشطين الجادين، هم أكثر الفئات تضررا من انتشار الإشاعات لأن المسؤولين ومعهم قطاع عريض من المواطنين يلقون الجميع بتهمة نشر الأكاذيب، ولذلك فإن وجود منصة تتولى دحض الإشاعات وتفنيدها قبل انتشارها، يدعم حق الإعلام والنشطاء في تعميم محتوى صحيح ودقيق يعزز من مصداقيتهم.
ستبقى المنصة الحكومية تعاني من التشكيك وعدم المصداقية، بسبب إرث طويل من القناعة الراسخة بأن الحكومات لا تقول الصحيح، وتكذب على المواطنين دائما. لكن مع مرور الوقت وثبات المنصة على نهج مستدام في الرد السريع والدقيق على الإشاعات، ستنجح “ربما” في كسب ثقة الجمهور.
الإشاعات كما هو معروف عالميا تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الصحيحة، وتحظى باهتمام المتابعين حتى مع معرفتهم بعدم صحتها. كان هذا هو الحال قبل دخولنا عصر الإنترنت، ومع التحول الرقمي وثورته الكبرى، أصبحت الإشاعات جزءا أصيلا من المحتوى الدائم على خوادم مواقع البحث الإلكتروني، وخزائن الإنترنت، لا يمكن محوها حتى بعد دحضها بشكل نهائي.
وفي المجتمعات التي يعاني أفرادها من الإحباط وصعوبات الحياة المعيشية، يميل كثيرون منهم إلى السلبية التي تدفعهم لليأس من الحقائق، وانعدام الثقة بالمستقبل، والاستسلام لمشاعر من عدم اليقين وتصديق الإشاعات مهما كانت سخيفة ومكشوفة.
لكن مهما بدت الصورة قاتمة، فإن على القوى الخيرة مواصلة جهودها لكسر دائرة اليأس، ومساعدة الناس على تمييز الحقائق من الأكاذيب.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *