المشكلة الكبرى في علاقة الحكومة والجهات الرسمية عموماً تتمثل في (مسألة الثقة)، فعندما تكون الثقة في مستويات متدنية, فكل قرارات الحكومة الكبيرة وسياساتها الجديدة نجد حملة كبيرة من التشكيك والحملات الاعلامية الضارة التي تؤدي إلى ايجاد جو متلبد بالغيوم الداكنة التي تحجب الرؤية وتحول دون المعلومة الصحيحة حول المشاريع الحكومية المقترحة.
انهيار الثقة بين الأطراف الحكومية المسؤولة وبين الأطراف الشعبية يعد من أهم عوامل الفشل وعدم التقدم إلى الامام والحيلولة دون حل المشاكل التي تعترض المسيرة السياسية والاقتصادية للدولة برمتها, لأن النجاح يحتاج إلى تعاون ومشاركة وتعاضد من مختلف أطراف العملية السياسية.
والتعاون والمشاركة لا يتم ولا ينجح الا في ظل أجواء الثقة المتبادلة. القضية الأكثر أهمية في هذا الموضوع أن الثقة لا تتحقق بالوعظ, ولا من خلال المحاضرات واللقاءات والكلام فقط, بل من البديهي أن الثقة تبنى بناءً متدرجاً وهادئاً وبطريقة تراكمية عبر الزمن وأكثر ما يهم في سباق هرم الثقة القدرة على تحقيق النجاحات المتتالية عبر المراحل الزمنية المتتابعة, ومن خلال ملامسة الواقع المتجدد بأيديهم ومن خلال معايشة التغيير في الحياة بطريقة واضحة كالشمس التي لا تحتاج إلى برهان أو دليل.
وفي مقابل ذلك، فإن أكثر عوامل هدم الثقة يتمثل بالفشل المتتابع والمتراكم الماثل على الأرض الذي يخالف الأقوال ويناقضها في كل مرة, وكذلك فإن كتم الحقائق وعدم المكاشفة في إظهار الوقائع على صورتها الواقعية يؤدي إلى احداث صدمة شعبية هائلة تطيح بمصداقية أصحاب المسؤولية ويحدث أجواء موبوءة يصعب معالجتها.
وبناءً على المقدمات السابقة، فإن ما جرى بخصوص أموال الضمان الاجتماعي جعل الشك والريبة يتسللان إلى نفوس الناس, وأثار غيوما من الوساوس حول نية الحكومة في مد يدها نحو صندوق الضمان الاجتماعي الذي يمثل آخر حصون الشعب الأردني الذي يحمل بارقة أمل تسعفهم في شيخوختهم القادمة لا محالة.
ويعود هذا القلق أولاً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الحكومة وتفاقم الأزمة المالية والعجز الواضح عن معالجتها؛ ما جعل التقرير الصادر عن ديوان تفسير القوانين يأخذ مسارات مختلفة بالتفسير واثارة الإشاعات, هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهناك قصص كثيرة مختزنة في الذاكرة القوية التي لا تمحى حول خطوات خاطئة قامت بها حكومات سابقة في قيام الصندوق بشراء مشاريع متعثرة, واستغلال أموال الضمان أحياناً في تغطية خسائر بعض المؤسسات التي تعرضت لادارات فاسدة.
نحن الأن أمام معضلة إعادة بناء الثقة, التي تحتاج إلى خطوات جريئة وحاسمة, بعضها سياسي يتمثل في تحقيق المشاركة الشعبية في اختيار الحكومات ومحاسبتها ومراقبتها بطرق فاعلة ومجربة، ولا يتم ذلك الا من خلال حكومات برلمانية تتحمل المسؤولية التاريخية.
والمسار الثاني على الصعيد الاقتصادي الذي يتمثل بتغيير النهج السابق الذي أثبت فشلاً متراكماً, إذ إنه لا ينتظر أبداً استجداء النجاح من أساليب وخطوات يتم تكرارها في كل مرة مع تكرار الوجوه, والأدوات على نحو أصبح معروف المآلات سلفاً.
د. رحيل غرايبة