ظهر عوني مطيع في الوقت المناسب، فينما كان السؤال عن مصيره يلاحق الوزراء والمسؤولين في نومهم ويستهلك ما تبقى من رصيدهم الشعبي، كان فريق عمل استخباري وسياسي يسابق الزمن لإنجاز الصفقة مع تركيا.
الاعتبارات الإجرائية والقانونية، ذللها تدخل جلالة الملك شخصيا واتصالاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أبدى تقديرا كبيرا لاهتمام الملك بالقضية ووجه السلطات التركية للتعاون مع نظيرتها الأردنية بما يضمن تسليم المتهم للسلطة القضائية، وهذا ما حصل مساء أول من أمس.
ليس معلوما بعد الحجم الحقيقي للقضية ولا التقديرات الدقيقة لقيمة المبالغ التي ضاعت على الخزينة جراء المخالفات التي ارتكبت في قضية التبغ. وثمة أسئلة كثيرة سيجيب عنها التحقيق ما تعلق منها بهوية المتورطين في القضية مع مطيع من مسؤولين وسواهم،وملابسات مغادرته البلاد قبل يوم من صدور أمر قضائي بالقبض عليه. القضية شائكة ومعقدة وتمتد لسنوات طويلة سابقة، والإحاطة بكل تفاصيلها يتطلب تحقيقات واسعة قد تمتد لعدة أشهر، ولذلك ينبغي منذ الآن عدم الإلحاح بكشف التفاصيل ومنح جهات التحقيق المختصة فترة كافية لإنجاز المهمة.
لكن أيا يكن التقدير المالي لحجم القضية،فقد احتلت أهمية وطنية كبرى بنظر الرأي العام الأردني وتصدرت اهتمام الشارع منذ الإعلان عنها صيف هذا العام. وما تسرب من تفاصيل لا نجزم بصحتها، ومعلومات عن شبكة مطيع، كان كافيا لتوجيه ضربة قوية لعلاقة الثقة المهتزة أصلا بين مؤسسات الدولة ومواطنيها.
ومع هروب مطيع المثير للريبة، تشكل انطباع لدى أغلبية الناس بأن رؤوسا كبيرة في البلاد متورطة مع مطيع وتولت التغطية على مغادرته للخارج لإطفاء القضية وطمس الأدلة. ولم يكن أمام مؤسسات الدولة لتبرئة ساحاتها واستعادة الثقة، سوى إحضار مطيع ليمثل أمام القضاء.
وحين بدأت تتسرب معلومات قبل أسابيع عن وجود فرصة قوية لجلب مطيع، بادر كثيرون إلى التشكيك بهذه الأخبار والطعن بصدقيتها، باعتبارها محاولة لتسكين الشارع لتمرير قانون ضريبة الدخل.
واجهنا قضية مماثلة قبل سنوات عديدة، وضعت الدولة كلها في قفص الاتهام، ولم يكن ممكنا رد الاتهام إلا بعملية شبيهة لعملية مطيع تم من خلالها إعادة الشخص المطلوب للبلاد.
لكن ذاكرة الناس قصيرة، فسرعان ما غرقنا ببحر الإشاعات والأكاذيب المدبرة في حالة مطيع، ورحنا نوزع الاتهامات التي لم تستثن أحدا في الدولة، لنتبين بعد أشهر فقط أن مطيع لا يحوز على أي غطاء في الأردن، ولا تدعمه أية جهة رسمية، وإنما هو شخص متنفذ استغل ثروته للتسلل لبعض المؤسسات وشراء ولاء بعض الأشخاص، وقد يكون هؤلاء قد ساعدوه فعلا لمغادرته البلاد، بغير ذلك كان مكشوفا تماما ويخضع لحكم القانون كغيره من المواطنين.
ليس مطلوبا في قضية مطيع أن نتوقف عن متابعة فصولها وصولا لمحاكمته ومن سهًل وتعاون معه من المسؤولين مهما علا شأنهم، لكن المطلوب هذه المرة أن نقف ونراجع أنفسنا على مواقف أطلقناه، وأحكام أصدرناها على مؤسساتنا بلغت حد تلطيخ سمعتها والحط من مكانتها، وعدم الثقة الكاملة بصدق نواياها بجلب مطيع وغيره من المطلوبين للعدالة.
نعلم ما هو السؤال التالي بعد سؤال “أين مطيع؟” وأظن أن القادم من الزمن سيحمل جوابا. كل ما علينا فعله بعد مطيع أن نتعامل بشكل منصف مع موقف الدولة ورواياتها.
فهد الخيطان