بقراءة البرنامج الحكومي، نتوصل إلى نتيجة مفادها أن حكومة الدكتور هاني الملقي باقية في موقعها إلى حين، هذا الحين يعني أن تكمل الحكومة عديد متطلبات مدرجة في برنامجها، أهمها ترتيب العلاقة مع صندوق النقد الدولي، وتحديدا ما يتعلق بوضع قانون جديد لضريبة الدخل يتم بموجبه توسيع شرائح الأسر والأفراد من الخاضعين للضريبة.
وفي الأثناء، تتحدث الحكومة كثيرا عن برنامج التحفيز الاقتصادي الذي وضعته وتسعى من خلاله لخلق التوازن مع الضرر الواقع على الأسر نتيجة السياسات المالية والنقدية، وتركز خطة التحفيز على تحقيق معدلات نمو مرتفعة نسبيا مقارنة بالمتوقع والظروف القائمة. ولا ندري، صراحة، إن كانت ستتمكن من تحقيق هذا الهدف.
نجد الفريقين؛ المالي والنقدي في الحكومة، يعملان لخدمة وإدارة ملفاتهما لضمان الاستقرارين، وهذا حق لهما، بيد أن التركيز على هذين الجانبين فقط استجابة لمتطلبات البرنامج الموقع مع الصندوق وحفاظا على الاستقرار النقدي يحتاج إلى سياسات متزامنة تخفف عن الناس أوجاعهم الاقتصادية.
بالفعل إنها معضلة، فالتوازن ضمن المعمول به لم يتحقق، بل على العكس ما تزال السياسات المطبقة عاجزة عن إيصال رسالة واحدة يتيمة بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وكل الدلالات والمعلومات المحلية والمعطيات الخارجية تؤكد أن الأمور تزداد تعقيدا، فكيف السبيل للتخفيف من إحباط الناس وانزعاجهم، وأحيانا، غضبهم من الحكومات.
قياسا على الحالة المالية، ندرك أن الحكومة لا تملك أموالا تساعدها على التخفيف من أزمة الناس المالية، كما أن أثر السياسات التحفيزية والاستثمارية، إن تحقق، يستغرق وقتا حتى يلمسه الناس، لذلك لا يبقى بيدها غير الرسائل المعنوية، وهي بذلك تحتاج لمراجعة بعض المسلكيات، كأن تؤكد اتباعها أرقى معايير الحاكمية والشفافية والإفصاح، والمحافظة على المال العام، وضبط نفقاتها الجارية بحق وعدم التعامل بوجهين؛ وجه يقول إن الأزمة المالية خانقة، وثان يؤكد أن الحكومة تنفق كأنها في بلد غني.
النصيحة الممكنة للحكومة في ظل أنها باقية، ألا تستفز الأردنيين بدرجة أولى، ولتحقيق ذلك عليها الابتعاد عن إثارة هواجسهم ومخاوفهم. وهي تحتاج إلى رسائل نوايا حسنة تبثها للأردنيين كل يوم، ومنها مثلا تجفيف أي مخاوف على أموالهم في الضمان الاجتماعي التي أثارتها فوضى الفتاوى بخصوص استقلالية القرار الاستثماري في الفترة الماضية.
وبما أن الحكومة لا تستطيع أن ترحم الأردنيين من قراراتها الصعبة التي استنزفت مداخيلهم، وجعلت كثيرا منهم في صفوف الفقراء، وبما أن الأخبار المفرحة مؤجلة إلى حين، فالأولى كذلك أن تراجع فاتورة رواتب كبار المسؤولين في بعض المؤسسات الحكومية والمستقلة والشركات التي تسهم بها الحكومة، لأنها ستجد أن راتبا واحدا بقيمته الباهظة قادر على إثارة الرأي العام وضرب مزاجه.
ولأن إمكانية زيادة الرواتب في ظل الحالة المالية مستحيلة، فمن المهم إعادة الهيبة لفكرة دولة القانون والمؤسسات وللالتزام بحقوق الإنسان واحترامها، وأن تشدد على معايير العدل وتكافؤ الفرص، بحيث يكون الناس شركاء لها وليسوا تابعين كما يحب بعض المسؤولين معاملتهم.
وحتى تعبر الحكومة المرحلة، وكذلك نحن، على المسؤولين التخلي عن خلافاتهم الجانبية، والتركيز فقط على حساسية المرحلة وحرجها، وأن المطلوب منهم فقط الكف عن التنافس على أجنداتهم الخاصة والالتفات للصورة الأكبر، وهي إدارة الملفات التي بين أيديهم.
وعليهم أن يتذكروا أنهم موظفون لخدمة المجتمع، وأن رواتبهم تدفع من جيوب الناس، وأن المسؤول العام مهما علت درجته، ليس سوى موظف لخدمة البلد والسهر على مصالح الناس وحمايتها.
لو كنا بلدا ثريا تتوفر فيه الفوائض المالية، لقلنا إن ثمة طرقا أخرى لعلاج المعضلة، لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”، ما يعني أن الدولة لم تعد قادرة على أداء الدور الرعوي، على علاته، ويعني حكما البحث عن أساليب جديدة لإدارة الشأن العام، تدرك أن المعطيات اختلفت.
جمانة غنيمات