العام الذي شارف على الانتهاء كان قاسيا ومتعبا وغنيا بالأحداث الصاخبة والمثيرة. فقد تفاقمت أزماتنا المالية وتعمقت الفجوة بين الشعب والمؤسسات ومررت تشريعات لا تحظى بقبول شعبي وتنامت روح التذمر والشكوى وتبادل الاتهامات.
ما أن تصادف أحدا اليوم وتسأله عن أخباره حتى يبادرك القول “والله الامور صعبة. ربنا يستر.. سقا الله ايام زمان”. هذه المشاعر لا يمكن إنكارها أو رفضها فهي موجودة على مستوى الشعور، لكنها قد لا تكون تعبيرا دقيقا عن حقيقة الواقع. صحيح أن الناس لا يحصلون على كل ما يبتغون لكن فرصهم في الحصول على ذلك أفضل بكثير مما كان متاحا لأسلافهم ممن عاشوا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. المجتمع اليوم أقل تزمتا وأكثر فرصا لمن يملك الرغبة والإرادة والتصميم.
الفرق بين ما كانت عليه أوضاع أسرنا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وما هي عليه اليوم شاسع جدا. ففي الستينيات كانت غالبية الأسر الاردنية تعيش في بيوت ضيقة من الطين والحجارة تفتقر الى أبسط وسائل الراحة فلا مياه ولا كهرباء او اجهزة حفظ الطعام وغسل الملابس وبدون وسائل الترفيه والاتصال التي تعج بها بيوتنا اليوم. غالبية الناس يعملون في الحقول والبساتين يربون المواشي ويتنقلون على ظهور الدواب فلم تكن هناك اعداد كافية من السيارات ولا الشوارع المهيأة لتمكينهم من الوصول الى مقاصدهم. كان الغذاء شحيحا والموائد فقيرة المحتوى. في تلك الايام كانت المدارس اقل انتشارا ولا وجود للمدارس الثانوية في الكثير من القرى والبلدات ولم تظهر الجامعات في الاردن الا بحلول 1962. في تلك الايام كانت النساء خارج الفضاء العام فلا وجود يذكر للمرأة في السياسة والاقتصاد والاعلام ناهيك عن القضاء والبلديات والبرلمان.
اليوم تبدلت الأحوال وتحسنت الاوضاع فحصل تقدم عمراني وصحي وتعليمي وسياسي واقتصادي وأصبح الافراد أكثر وعيا وتعليما ولديهم فرص أوسع وأكبر للتحصيل والمشاركة والتأهيل والسفر والثراء والتقدم ومع ذلك هناك الكثير من الشكوى والإحباط والتذمر فما هي الاسباب التي ادت إلى شيوع هذه الظاهرة؟
التباين بين ما يتطلع له الافراد وواقعهم مصدر أساسي للإحباط والإحساس بالفشل. غالبية الناس يعتبرون الدولة وسياساتها المسؤول الاول عن فقرهم وجوعهم ومعاناتهم. فهي التي ترسم السياسات وتضع التشريعات وتنفذ الخطط وتجبي الاموال وتتولى الانفاق على المشاريع والخدمات.
في الجدل الدائر حول الواقع ترى مؤسسات الدولة انها تقوم بكل ما هو صحيح ومناسب وتسرد النجاحات التي تحققت في مجالات الامن والاستقرار والسمعة الطيبة التي تحققت للبلاد عالميا وحجم الاحترام والتقدير للادوار التي قام ويقوم بها الاردن على الصعيد الانساني والنجاح الكبير في اظهار الدولة كنموذج للعضو المسؤول والملتزم والفاعل في كل ما هو أممي وإنساني.
على الجانب الآخر يساور الكثير من الناس الخوف والقلق على مصيرهم ومستقبل أسرهم ويعبر الشباب عن حالة عدم الثقة بالمؤسسات التنفيذية والمنتخبة ويشككون في قدرتها على إدارة المرحلة واخراج البلاد من الأزمات. سرعة نمو الدين العام وحماسة الحكومات لسياسات رفع الاسعار وزيادة الرسوم والضرائب دون ايجاد مشروعات انتاجية قادرة على توليد فرص جديدة للعمل بعض من الأسباب التي أغضبت الشارع الاردني وغذت الثقافة المطلبية وروح المعارضة.
استمرار حالة الشكوى والانقسام إلى نقاد ومدافعين تبدد الجهود وتضعف قدرة البلاد على التصدي للتحديات. المكاشفة والحوار واشراك الجميع في التقييم والتخطيط والادارة استراتيجيات لا غنى عنها في تجاوز الأوضاع السائدة والوصول الى مرحلة يوظف الجميع طاقاتهم في خدمة مسيرة الوطن.
د. صبري الربيحات