تتندر إسرائيل علينا، وهي ترى أن الأردنيين والفلسطينيين، يتقاذفون الضفة الغربية فيما بينهم، وكأنها متوفرة بأيديهم أصلا، فهذا لا يريد ان يستردها، وذاك لا يريد ان يتركها، وبينهم تيار ثالث، يستبصر الغيب، فلا يفهم غوامضه.
الأردن يقول انه لا يريد كونفدرالية ولا فيدرالية، ولن يقبل ان يكون طرفا في أي حل على حساب القضية الفلسطينية، بما يؤدي إلى تحميل الأردن مسؤوليات جديدة في الضفة الغربية، إضافة إلى الاتهامات المعتادة، لأي دور أردني.
الجانب الفلسطيني، يقول انه لم يقدم التضحيات والشهداء من اجل قيام دولة فلسطينية شكلية، تندمج في الأردن، أو حتى تدار بشراكة أردنية بشكل ما، وهذا كلام التنظيمات والمسيسين، تقول عكسه، جزئيا، بعض الغالبية الشعبية في الضفة الغربية التي قد لا تمانع لو عادت تحت مظلة الأردن، تحت أي مسمى.
كلاهما يناقش ملفا بات بيد طرف ثالث، أي الاحتلال، الذي لا يريد منح الضفة الغربية إلى الأردنيين أو الفلسطينيين، او لكليهما معا.
الغريب هنا، ان البعض لا يريد ان يقر تماما بالحقيقة التي تقول إن إسرائيل لا تريد نهائيا قيام دولة فلسطينية، ولن تسمح أساسا بتكوين دولة ولا دويلة تصير نقطة جذب واستقطاب لكل الفلسطينيين في العالم، بما يعنيه ذلك على كل المستويات، وبهذا المعنى قد يكون عدم قيام دولة فلسطينية، مطلبا إقليميا أيضا.
إسرائيل تؤمن أصلا، أن الضفة الغربية هي يهودا والسامرة وفيها مواقع دينية لها، فوق الأهمية الجغرافية والاقتصادية والأمنية للضفة الغربية، وهذا يعني أن إسرائيل تريد الضفة الغربية، إسرائيلية، لا أردنية ولا فلسطينية.
هذا يعني اننا نتقاذف الضفة الغربية فيما بيننا، وكأنها في الأساس ُملك يدنا، ما بين من يريد أن يحكمها أو لا يريد، وبين من يريد أن يحكمها وقد يقبل بشريك، فيما إسرائيل لا تريد منحها للجهتين، وتبحث عن حل للسكان فقط، لا الجغرافيا.
لا أحد يعيد قراءة الصراع مع إسرائيل، بطريقة مختلفة، وما نزال نتحدث حتى اليوم، عن حلول لم تعد قائمة ولا صالحة، اصلا، بما في ذلك ما يتعلق بقصص الوطن البديل، وحكم الأردن للضفة الغربية، أو الحلول الاندماجية الكلية او الجزئية بين الضفتين، أو حتى الدولة الفلسطينية التي لم يتبق من أرضها ولا جغرافيتها هامش لتحقيق حلم مشروع، وكل هذه القصص تخضع هاهنا لاستثمارات سياسية داخلية، وتوظيفات، برغم انها باتت قصصا باهتة.
من ناحية تحليلية اعادت إسرائيل انتاج كل استراتيجياتها، وباتت قائمة أولا، على ارهاق كل جوار فلسطين، بالحروب والأزمات والصراعات والانهاك الاقتصادي، ليتحول كل جوارها إلى بيئات هشة ضعيفة مرهقة، وهذا هو واقع الحال اليوم، فيما يأتي المرتكز الثاني قائما على تقسيم الفلسطينيين إلى مجموعات تحت إدارات مختلفة، وعزل كل مجموعة عن الاخرى، فبعضهم تحت الإدارة الإسرائيلية، تجنيسا قهريا، وبعضهم تحت إدارة السلطة الوطنية، وبعضهم تحت إدارة تنظيمات غزة، وثالث المرتكزات تطهير الإقليم والمنطقة من أي دول أو جهات او أنظمة، مناوئة لإسرائيل، على المدى المتوسط والبعيد، ورابعها التسلل إلى كل العالم الإسلامي بوسائل مختلفة، لتغيب كل القضية الفلسطينية.
كل هذا يأتي ونحن ما نزال نتحدث عن مصير الضفة الغربية، وإذا ما كانت ستقوم دولة فلسطينية، او لا، واذا ما كانت الضفة الغربية ستعود إلى حكم الأردن عبر مشاريع ومظلات مختلفة، فوق التحليلات بشأن صفقة القرن، وتأثيراتها على الأردن، باعتبار أن المن والسلوى في الطريق الينا، شريطة أن نقبل أي دور في الضفة الغربية، وانه لولا رفضنا لهذا الدور، لتنزلت علينا المليارات، وهذا وهم آخر نعزي فيها انفسنا، لتفسير شقائنا الاقتصادي، باعتباره وطنية؟
علينا أن نصحو من الغيبوبة التي تورطنا فيها جميعا، لأن واقع الحال يقول إن إسرائيل لم تنه كل مخططها حتى الآن في الضفة الغربية والقدس، وانها أيضا لن تسمح بقيام دولة فلسطينية، ولا عودة الأردن إلى الضفة الغربية، ولن تقبل بأي انتعاش اقتصادي لدول المنطقة، وتحديدا الأردن، حتى لو تسربت المعلومات حول صفقة القرن، باعتبارها وصفة اقتصادية أولا، ذات روح سياسية.
ماهر ابو طير