كتّاب

اتفاقيات غير وطنية!

یطرق بابك من یرید إقامة كازینو، ویجعلك توقع على شرط جزائي إذا لم تلتزم بالتنفیذ، وكأنه یلزمك بالقمار، برغم انھ المستفید الأول، والا فالعقوبة علیك.
لا نتعلم، فیأتي آخر ویوقعك على شرط جزائي، بملیار ونصف ملیار دولار، ما لم تستورد الغاز الفلسطیني المنھوب إسرائیلیا، ولم لا نوقع، فالتوقیع سھل ولا یكلف حبرا، وقد وقع مناضلون قبلنا على ثلاثة ارباع فلسطین، في دقیقة واحدة.
الحكومات في الأردن یتوجب ان نسألھا الیوم عن الذي یلزمھا بتوقیع ھكذا اتفاقیات، أساسا، والسرعة في قبول الشروط الجزائیة، حتى لو أدت الى بیع البلد بالمزاد العلني، مقابل الالتزام، فالمھم ھو الالتزام، باعتباره سمة أخلاقیة !.
للمفارقة فإن التوقیع على اتفاقیات مشبوھة وغیر نظیفة أخلاقیة، وجدلیة، یتم سریعا، ولا یرف جفن ھذا او ذاك، ان كان لدیھ أساسا جفن فوق عین، او عین قرب عین ثانیة، او حتى بقایا بصیرة، تدرك تداعیات ھكذا اتفاقیات.
حین أثیرت الضجة حول الكازینو، كان تبریر الحكومات ان الأردن تورط بالتوقیع على شروط جزائیة، ولا یستطیع التراجع، وھا ھي القصة تتكرر باعتبار ان صفقة الغاز بین شركة الكھرباء الوطنیة، التي كفلتھا الحكومة، وشركة نوبل انیرجي الأمیركیة لاستیراد الغاز من حقل غاز تسیطر علیھ إسرائیل في شرق المتوسط قبالة فلسطین، باتت اجباریة لان الشرط الجزائي، كبیر وصعب، ولا یمكن نقضھ، او الخضوع لمحاكمة دولیة.
ھل الشروط الجزائیة ھنا، اقتصادیة بحتة، كما في أي اتفاق بین الأردن واي جھة، وكما ھو معتاد، ام انھا شروط سیاسیة، فعلیا، لتربیط الأردن، ووضعھه امام خیار واحد وحید، أي الالتزام بالاتفاقیة، لان عكس ذلك، یعني انھیار الخزینة، إذا تمت المحاكمة دولیا، وكأن من قبل بھذا الشرط یجرع السم للمواطنین.
علینا ان نعترف ان ھناك تیارا إسرائیلیا بیننا في الأردن، یعتبر ان مخرج النجاة لبلادنا، في كل شؤونه ھو إسرائیل، وھذا التیار یتخفى تحت مسمیات مختلفة، ویسارع في الخیرات نحو إسرائیل، باعتبارھا طوق النجاة لنا سیاسیا واقتصادیا، ما دامت تمتلك النفوذ في العالم والاقلیم، وان كل من یعاندھا، سیتم محقه.
حین تسمع ارقام الشروط الجزائیة، تعرف ان اخلال الأردن بھا سیؤدي الى انھیار اقتصادي، او عرض الأردن للبیع في أي مزاد، لتسدید كلفة الاخلال، ولابد ان نسأل الیوم، عن أولئك العقلاء، الذین قبلوا بھذا الشرط الجزائي، وھل كانوا في قمة لیاقتھم الذھنیة والوطنیة حین قبلوا ھذا الشرط، ام انھم قبلوه من اجل اغلاق الباب في وجھ الرافضین للاتفاقیة، باعتبار ان بدیلھا سیكون خطیرا جدا ؟ ھذا یعني ان ھذا الملف لا بد من فتحھ سیاسیا بأثر رجعي، ولا بد من مساءلة الذین ورطوا الأردن فیھ بھذه الطریقة التي ستؤدي الى تداعیات خطیرة، حتى لو برروا تواقیعھم بكونھا امرا عادیا قیاسا على التوقیع على اتفاقیة الغاز مع المصریین التي فیھا أیضا شروطا جزائیة، لان الفرق بین الحالتین كبیر.
حساسیة التأویلات ومصدر الغاز لا تغیب في قصة الغاز المنھوب من شواطئ فلسطین، ولا نصدق ان ھذه الحساسیات كانت غائبة عمن شارك في صیاغة الاتفاقیة، او قبل بشرطھا الجزائي، او حفر توقیعھ الكریم علیھا.
سیاسات الارتھان للبنك الدولي، وللقروض، والمساعدات، والاتفاقیات، تؤدي الى نتیجة واحدة، أي رھن الأردن، لغیر اھله، وتحویله الى مجرد وطن معروض للبیع، في مزادات السیاسة، والمقایضات، بعد ان تم اضعافھ، وایصالھ الى ھكذا حالة، على جمیع المستویات.
لقد نبه كثیرون قبلنا، الى ان ھناك بیننا، من یحمل ذات اسمائنا، وذات قسمات وجوھنا، لكنھم لا یتورعون ابدا، عن وضع البلد على الحافة، تحت عناوین مختلفة، ثبت انھا مجرد خطوة نحو الدفن.
كلما اعترضنا، قیل لنا، اننا غیر منطقیین، ولا نفھم لغة الواقع والمصالح، واننا شعاراتیون، وعدمیون، ومندسون، ونبحث عن الشعبیة، والشھرة، والاضواء ، فوق جھلنا السیاسي والاقتصادي، وتفشي الامیة الوطنیة فینا.
لقد كان الأولى ان یتم سؤال الناس قبیل التورط في ھكذا اتفاقیة، لا ان یتم توقیعھا، وتوقیع شرطھا الجزائي، ثم بدء التأوه العلني، والغنج الكاذب، بسبب عدم قدرتھم على التراجع.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *