كتّاب

ملیارات الفاسدین لیست في عمان

كل الحدیث عن الفساد لا دلیل مادیا علیه، لأن أموال الفاسدین، في الأساس، غیر مودعة في الأردن، واغلبھا تسرب بطرق مختلفة الى حسابات سریة.
الدول حین تواجه قضایا فساد، بخصوص أسماء محددة، تلجأ الى وسائل عدیدة لتتبع المعلومات، والتأكد من ثراء ھؤلاء، خصوصا، خارج الأردن، فھل بذلت الجھات الرسمیة أي جھد، من اجل تتبع أموال الأردنیین في الخارج ؟
لا یعقل ان یودع الفاسد أمواله في المصارف الأردنیة، لیقدم الدلیل العلني، على حالة الثراء غیر المشروع التي یعیشھا.
على الأرجح یرتب ھؤلاء امورھم، من اجل وضع ثرواتھم في حسابات بعیدة عن الأعین، في الولایات المتحدة، وأوروبا، وبعض الجزر، ومناطق أخرى في ھذا العالم، بالتعاون مع بقیة الشركاء، وعبر صفقات تبادل المبالغ بالعقار، او العكس، او بوسائل مختلفة.
الجھات التي تحارب الفساد في الأردن، تعاني دوما من قلة الإمكانات المالیة، حتى ان ھیئة مكافحة الفساد في بدایات عملھا، لم تكن تجد مالا لدفع مخصصات الترجمة لبعض الوثائق الأجنبیة، وقد تحدث مسؤولون في الھیئة مرارا قبل سنوات، عن معاناة الھیئة المالیة، وعدم قدرتھا على التحرك الا في نطاق ضیق، فتتعجب كیف یمكن ان تكافح الفساد، ھیئة بلا مال، ولا امكانات بشریة كافیة، خصوصا، في بدایة عملھا؟!.
ھذا یعني ان ھناك خللا كبیرا، لأن بعض الملفات بحاجة الى كلف مالیة، من اجل متابعتھا، خصوصا إذا كانت مرتبطة بدول أخرى، او بدوائر خارج الحدود.
في وقت سابق، قدر خبراء ثروات الأردنیین السریة، في العالم، بأرقام مختلفة، كلھا من فئة الملیارات، وبطبیعة الحال لا دلیل حصریا لدیھم، لأن كل ھذه الأرقام تخفیھا المصارف، سواء أموال الأردنیین العادیة واستثماراتھم، او تلك الأموال السوداء التي یخفیھا الفاسدون في حسابات سریة، ونحن ھنا، لا نخلط بین النمطین، لأن الفرق واضح.
كیف یمكن محاربة الفساد، وكل مسؤول تلتقیھ یسألك عن الدلیل، وھو یعرف مسبقا ان الدلیل قد لا یكون متوفرا في الداخل الأردني، ومتوفر بشكل مؤكد في حسابات ھؤلاء خارج الأردن، والمفارقة ھنا، ان السؤال یجب ان یكون معكوسا، لأن الدلیل عند المسؤول، ولیس عند
المواطن؟!
الكل یعرف ان ھؤلاء یعملون ضمن شبكات أكبر، تسھل لھم نقل المال، ودفع الحصص او العمولات، او وضعھا في مصارف آمنة، غیر قابلة للاختراق، بأي طریقة، مقارنة بمصارف أخرى، قد تواجھ حالات من تسرب الوثائق، او المعلومات، او التسلل الالكتروني.
معنى الكلام، اننا نھدر وقتنا بالحدیث عن الفساد، امام المسؤولین، فیطالبون بالادلة، فیما أھم الأدلة، أي المال ومشتقاته، غیر موجودة في الأردن، أساسا، بل في حسابات خارجیة، وبقیة الأدلة قد لا تكون كافیة، او قابلة للطعن، او التأویل.
ھذا یعني ان الدولة مطالبة بوسائل جدیدة لجمع المعلومات عن أموال الفاسدین خارج المملكة، مع الادراك ھنا، ان ھذه مھمة صعبة جدا، بسبب سریة الحسابات من جھة، وعدم تعاون الحكومات الا في حالات محددة ذات سمة قانونیة لا یمكن الطعن فیھا، فوق ان اللجوء الى وكالات تحقیق خاصة لجمع معلومات عن حسابات الفاسدین السریة، خارج الأردن، عملیة مكلفة جدا، وغیر مضمونة النتائج، وغیر واردة أساسا، في ذھنیة أحد في الأردن.
ملف الفساد، ھو ابرز ملف ضاغط على خاصرة الدولة، وبدون ان یتم تحقیق إنجازات كبرى فیه، سیبقى الحدیث عن الفساد شائعا، شعارا في المسیرات والاعتصامات، واتھاما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونمیمة في المجالس، بعد ان طغت الظنون على كل شيء، ولم نعد نعرف الفرق بین الفاسد وغیر الفاسد، والمظلوم وغیر المظلوم، والورع والفاجر.
یبقى السؤال: ھل یعقل ان یكون لفاسد واحد في الأردن حساب مصرفي یثبت انھ فاسد، ویضع فیه أموال فساده، ویقدم عنقه الى المشنقة، عبر تثبیت الدلیل؟!ھذا مستحیل، واموال الفساد كلھا باتت في مصارف العالم، بعیدا عن اعیننا.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *