كتّاب

العفو وكلفة السجون

لا اعرف بدقة المبررات التي استندت الیھا الحكومة او شجعت النواب للسیر بقانون العفو العام. بالرغم من ان العفو قیمة مھمة یبعث جرس لفظھا على الارتیاح. ومع انھا لیست المرة الاولى التي یصدر فیھا قانون للعفو العام، الا ان ھناك العدید من العوامل التي ینبغي النظر الیھا ونحن نتابع الاجواء الاحتفالیة التي یعیشھا بعض النواب والمحامین والتحفظات التي یبدیھا البعض
وھم یرقبون الحوارات بین المؤیدین للتوسع في العفو لیشمل كافة النزلاء والداعین الى حصره في القضایا والحالات التي لا یترتب فیھا اذى للمجتمع او اخلالا بحقوق الضحایا والمتضررین من الافعال التي اوجبت العقوبة.
ایا تكن المواقف التي یتبناھا المؤیدون للعفو او المعترضون على اقراره فقد اقترب المجتمع الأردني من موعد استقبال اكثر من 11 الف فرد ممن حوكموا على ارتكابھم لأفعال خارجة على القانون ومھددة لأمن الافراد و مصالح المجتمع. بعض ھؤلاء الافراد كرروا افعال الاعتداء وبعضھم دفعتھ الظروف الى ارتكاب الفعل فألحق الاذى بالغیر دون قصد.
المجلس النیابي الحالي ھو الاكثر حماسا للعفو واحتفالا بما یعتبره البعض انجازا نیابیا مھما . الكثیر من السادة النواب انشغلوا خلال الاشھر والاسابیع الماضیة في المطالبة بقانون للعفو عن النزلاء ”السجناء“ واستمروا في ملاحقة الحكومة والمؤسسات المختلفة فتمكنوا من حثھا على صیاغة مسودة القانون والدفع بھ لمجلس النواب.
بعیدا عن الروایات الشخصیة لبعض النواب والمسؤولین ممن یتھیأون لادعاء الفضل وتقاسم الثناء، یوجد في صفوف الدولة وبین الخبراء الاقتصادیین من یرى ان العفو العام سیاسة اقتصادیة مھمة تتطلب قانونا یخفف من الكلف الباھظة للحراسة والإیواء والاعاشة والاصلاح والتاھیل.
لتجمیل الفكرة وزیادة جاذبیتھا وتسویقھا یدعم البعض العفو باعتباره الوسیلة الاھم لمنح المفرج عنھم فرصا جدیدة للتوبة واستئناف ممارسة ادوارھم كاشخاص فاعلین في اسرھم ومجتمعاتھم كما یعید للاسر والعائلات وحدتھا وتماسكھا.
على الجانب الآخر یرى المعارضون لقانون العفو ان لا مبررات منطقیة لھذا القانون ویعتبر البعض انھ جاء في توقیت صعب یشكو فیھ المجتمع من تراجع الخدمات الامنیة وضعف مستوى سیادة القانون.
خلال السنوات الثلاث الاخیرة قفز موضوع العدالة واصلاح القضاء الى صدر قائمة الاولویات التي اشغلت القیادة وصناع القرار فتشكلت لجنة ملكیة اصدرت تقریرا مفصلا عن الخطوات الواجب اتخاذھا لاصلاح القضاء وتطویر نظام العدالة الجنائیة.
لقد دعت التوصیات التي تضمنھا التقریر الى زیادة اعداد القضاة وتخفیف الاعباء وسرعة التقاضي وتوظیف التكنولوجیا والتوسع في استخدام العقوبات البدیلة دون اغفال حقوق الضحایا او الاخلال بمبادئ العدل والامن والكرامة الانسانیة.
لا احد یعرف مدى الاصلاح الذي تحقق لآلاف النزلاء ولا درجة النجاح في اعادة تأھیلھم ولا یوجد تقدم یذكر في نظام التقاضي ولا استخدام العقوبات البدیلة غیر السالبة للحریة.
في المؤسسات العقابیة الأردنیة یقیم الیوم قرابة 16 الف نزیل یتوزعون على 17 مركز اصلاح وتأھیل تدار من قبل قوة تتألف من خمسة آلاف ضابط وفرد وتبلع الكلفة الاجمالیة لخدمة ورعایة وادارة المؤسسات قرابة ثمانین ملیون دینار سنویا.
خروج ھذه الاعداد دون التأكد من زوال الدوافع والاستعدادات التي رافقت ارتكابھم للافعال الجرمیة مخاطرة كبیرة قد تعكس نفسھا على معدلات الجریمة. فالكثیر من الدراسات تشیر الى ضعف تأثیر البرامج الاصلاحیة على دوافع ومبررات واستعدادات الافراد لتكرار الافعال بعد اخلاء سبیلھم.
الایام والاشھر القادمة ستكشف مدى حكمة ورشاد سیاسة العفو وانعكاساتھا على الامن والاقتصاد والحیاة والعلاقات الاجتماعیة.

د. صبري الربيحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *