لا يرى الأردن في استخدام القوة والحل العسكري في سورية إلا استمرارا لمنهج عبثي نتيجته الوحيدة المزيد من الصراع والقتال والدمار، ضحيته الوحيدة الشعب السوري الشقيق. يستثنى من ذلك طبعا استخدام القوة ضد الجماعات الإرهابية.
ومن جديد، عاد وزير الإعلام الأردني، الدكتور محمد المومني، للتذكير وتأكيد الموقف الأردني الثابت والداعي لحل سياسي للأزمة السورية بما يحفظ وحدتها أرضا وشعبا.
كان هذا أول تعليق أردني رسمي بعد الهجوم الثلاثي “الأميركي البريطاني الفرنسي” على عدد من المواقع السورية فجر أمس.
بخلاف دول عربية وإقليمية، سارعت إلى الترحيب بما بات يوصف إعلاميا وسياسيا بالعدوان الثلاثي، اختار الأردن، إلى جانب مصر أيضا، عدم الانجرار خلف خطاب التصعيد العسكري؛ لأن ذلك يتناقض أصلا مع السردية الأردنية حيال الأزمة السورية منذ بدايتها.
الأردن دعم مبكرا الحل السياسي في سورية ومسار جنيف التفاوضي، وانخرط في عملية تنسيق فريدة من نوعها مع الجانبين الروسي والأميركي لإقامة منطقة خفض تصعيد في الجنوب السوري وجعلها مثالا يحتذى في سائر مناطق النزاع السوري، وما تزال هذه التجربة صامدة حتى وقتنا هذا، وتحولت عمان لمركز مراقبة لوقف إطلاق النار يجمع الروس والأميركيين في غرفة واحدة.
لم يكن هذا الدور البناء على حساب موقفه المبدئي من الجماعات الإرهابية التي عاثت قتلا ووحشية في سورية والعراق والعالم كله، وطالت جرائمها بلادنا وجنودنا البواسل على الحدود مع سورية، فانضم في وقت مبكر للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وخاض جيشه هذه الحرب المقدسة من دون أدنى تردد، كما اتخذ موقفا صارما ضد استخدام الأسلحة الكيماوية. وعندما انتشرت الأخبار والتقارير عن استخدام محتمل لهذه الأسلحة في دوما، دان وزير الخارجية، أيمن الصفدي، هذا السلوك من حيث المبدأ وتمسك بحق المجتمع الدولي إجراء تحقيق أممي للوقوف على حقيقة الادعاءات وردع الأطراف كافة عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا.
لكن الأردن في موقفه هذا، يسير على خيط دقيق، فلم يشأ أن يتخذ موقفا صداميا مع الدول المشاركة في الهجوم أو المؤيدة لها على المستويين العربي والخليجي، لاعتبارات ومصالح محسوبة سلفا. ولهذا خلا البيان الحكومي المقتضب من أي إشارة صريحة تؤيد الهجوم قبل إجراء التحقيق الدولي، وحرص على التذكير بأن الصراع المستمر منذ 8 سنوات، لا يمكن حسمه بالحلول العسكرية من أي طرف كان، مثلما تجنب الإدانة الصريحة واستعاض عنها بعبارات تفيد بالمعنى ذاته سياسيا.
المؤسف حقا، أن الرؤية الأردنية المتزنة تفقد ميزتها، بعدما تحولت سورية لميدان صراع أممي بين قوى دولية نافذة تسعى لتصفية حساباتها على حساب سورية وشعبها. وأكثر ما سيشغل بال الأردن في الأيام والأسابيع المقبلة، هو كيفية احتواء التصعيد الروسي مع واشنطن والعواصم الغربية، بحيث لا يطال جبهة الجنوب السوري، وبما يضمن استمرار العمل باتفاقية خفض التصعيد.
خلافا لمنطق المثل الشائع “إذا انجن ربعك عقلك ما بنفعك”، الأردن مُصر على التمسك بعقله لحماية مصالحه وسط هذا الجنون.
فهد الخيطان