كتّاب

التطبيع قبل السفيرة وبعدها

تثيرك سلبيًا الانتقائية، خصوصا، تلك الانتقائية السياسية، واذا اوردنا مثلا هنا، على هذه الانتقائية، لوجدنا مثلا ان الحملة الشعبية والسياسية على وجود السفارة الاسرائيلية في عمان، ثم قطع العلاقات، ثم عودة السفير، انتقائية تغفل قضايا اكثر اهمية، ومرتبطة ايضا، بملف السفارة.
لم يعد احد يتحدث عن التطبيع، ولجان التطبيع المختلفة، التي تم اطلاقها لمحاربة التطبيع، ضعفت بشدة، او توارت وراء الظلال، فأين هي لجان محاربة التطبيع اليوم؟ واين هي تقاريرها ونشاطاتها، ورصدها لكل انواع التطبيع الاقتصادي، الذي يؤشر على ارقام مرعبة من التصدير والاستيراد، على صعيد كل المنتجات، بما فيها الزراعة والحجر ومسلتزمات طب الاسنان، وغير ذلك من معلومات تتسرب، بين وقت وآخر؟
الموقف من اسرائيل يجب ان يكون شاملا، ولا يصح ان يكون موسميا او انتقائيا، وللاسف الشديد، فنحن نتصرف ازاء هذا الخطر، بشكل موسمي وانتقائي، تارة نفتح ملف السفير والسفارة، وتارة نفتح ملف الغاز المنهوب اسرائيليا من فلسطين، وتارة ملف اراضي وادي عربة، وكل مرة نتناسى بقية الملفات، وهذا يؤدي الى اضعاف هذه الجهود وعدم اتصالها معا، من اجل غاية نهائية.
حين كان يقال ان التطبيع الاقتصادي، هو الاخطر، لم يكن احد ليتفاعل، برغم ان الحركة التجارية عبر الجسور، مرتفعة جدا، والتقديرات المالية كبيرة للغاية، وتصدير واستيراد السلع والمنتجات، بقي مستمرا حتى في ظل عدم وجود سفير وسفارة، لكن كل الحملات كانت منصبة على السفير والسفارة، فيما كان التطبيع الاقتصادي، مستمرا، فكيف يصح الحال هكذا، واين هو وجه الخلل؟!.
هل يستطيع اعضاء مجلس النواب، فتح ملف التطبيع، وطلب ارقام دقيقة حول عمليات التطبيع، وقيمتها المالية الاجمالية سنويا، ورخص التصدير والاستيراد، وانواع السلع والمنتجات، وهو دور منوط ايضا بمؤسسات ولجان اخرى، من بينها المؤسسات الحزبية، وكل الجهات ذات الصلة بالعمل السياسي، شريطة ان لا يكون ذلك، من باب اثارة الزوابع، وان تخضع كل العملية لاسس واضحة؟!.
على مدى سنوات، أثير مثلا، ملف تصدير الزيتون الى الاحتلال، وبدلا من ان يتراجع المصدرون لزيتونهم، الذي يتم عصره بطريقة مختلفة، وتصديره الى الغرب، باعتباره منتجا اسرائيليا، يجري العكس، اذ ترتفع الصادرات، هنا، ولعلك تستغرب اذا ما كانت الموانع الدينية، اولا، ثم الاجتماعية والثقافية، وارث الاحتلال ضد المنطقة، لا تمنع مجتمعة كل عمليات التعامل مع اسرائيل تجاريا، من جانب نفر، لا يهمه الا المال، ولا يأبه بقتل الابرياء، لا في فلسطين، ولا في غيرها من دول جوار فلسطين.
المال المكتسب من هكذا تطبيع، مال أسود، والذين يستوردون من الاحتلال، ايضا، يتورطون في كبائر وطنية، اذ يدعمون الاحتلال ماليا، بطرق مختلفة، وهذه والله، اكبر من كبيرة، كون هؤلاء يمولون رجال اعمال اسرائيليين، ومؤسسات اسرائيلية، تصب كلها، نهاية المطاف لصالح الاحتلال.
يقال هذا الكلام، بمناسبة عودة السفير الاسرائيلي الى سفارته، وقد اصبح العقل العربي، طرفيا، بداية الخط مغادرة السفيرة، ونهايته تعيين سفير جديد، وهذا العقل الطرفي، يبدأ وينتهي، بهذه الطريقة، ويتعامى عن كل التفاصيل الاخرى، التي بقيت حاضرة، طوال هذه الفترة، اي استمرار التطبيع وعدم توقفه، بوجود السفيرة السابقة، او بمغادرتها، او بتعيين سفير جديد.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *