الوضع إذن ليس ميؤوسا منه أبدا، لا بل هناك فرصة حقيقية للإقلاع بالاقتصاد الوطني والتغلب على الظروف الكارثية المحيطة بالأردن واستعادة بريق النموذج.
القطاع السياحي يعطينا الدليل الحي. يشير تقرير لصحيفة “الغد”، نشر أمس، إلى أن مبيعات التذكرة الموحدة لزيارة المواقع السياحية وقيمتها 100 دولار ارتفعت بنسبة 125 % خلال الربع الأول من العام الحالي، بحسب أرقام وزارة السياحة والآثار.
الأرقام تفيدنا أيضا، بأن مدينة البترا شهدت ارتفاعا في عدد زوارها بنسبة 47 %، والمغطس بنسبة 70 % وكذلك الكرك بنسبة 82 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبالمجمل، قفز عدد السياح في الربع الأول من العام بنسبة تزيد على 14 %. أمين عام وزارة السياحة، عيسى قموه، يلخص الوضع الحالي، بالقول “إن القطاع السياحي يشهد في الفترة الحالية أفضل حالاته”.
عشرات الآلاف من العاملين في مجال الخدمات السياحية، استفادوا من عودة الحياة للقطاع الذي تعرض لانتكاسة كبرى في السنوات الأخيرة. بعض من أصحاب الفنادق الصغيرة في منطقة وادي موسى الذين اضطروا لإغلاقها بسبب تراجع أعداد السياح، عادوا لفتحها من جديد مع موجة الانتعاش الأخيرة.
مثلت السنوات السبع الماضية اختبارا عسيرا لقدرة الأردن على الصمود وسط إقليم يحترق. وكان من الطبيعي أن يتخذ العالم وضعية الحذر والترقب حيال هذه التطورات وتأثيرها على بلد صغير كالأردن.
لكن مع مرور الوقت، أيقنت دول كثيرة حول العالم، أن الأردن اجتاز العاصفة، وتمكن من التكيف أمنيا واقتصاديا مع وضع استثنائي من حوله.
النجاح الذي تحقق في إحباط عمليات إرهابية كانت ستستهدف منشآت سياحية، منح السياح الأجانب الثقة للقدوم إلى الأردن والمكوث في وادي رم والبترا أياما عدة من دون أن يقلقوا على حياتهم، فبينما تحارب دول مجاورة لتأمين الحد الأدنى من الأمن في منتجعاتها السياحية ومواقعها التاريخية، يقضي الآلاف من السياح الأجانب لياليهم تحت سماء وادي رم براحة وأمان.
وعلى صعيد الاستثمار، أعطت صفقة المطار مؤشرا إيجابيا على ثقة المستثمرين الأجانب بالوضع في الأردن. لكن على القائمين على صناعة الاستثمار في الأردن أن يغتنموا الفرصة بشكل أكثر فاعلية، وعلى غرار ما حصل في القطاع السياحي، لكسب المزيد من المستثمرين وجذبهم العمل في الأردن.
هناك محاولات جدية على هذا المستوى، لكنها ليست كافية، فما بذل من جهود أمنية وسياسية لإبقاء الأردن بعيدا عن ساحات الصراع، ينبغي أن يترجم إلى مكاسب اقتصادية أكبر.
الواضح حتى الآن، أن الإقليم من حولنا لن ينعم بالهدوء الذي نتمناه، ولن يعود لما كان عليه سابقا من استقرار نسبي. المرجح أنه سيبقى في حالة اضطراب لأمد طويل. علينا التكيف مع هذا الوضع، وتسخير النموذج الأردني الفريد لاستعادة المبادرة على كل المستويات، وعدم الاستسلام لحالة اليأس التي أصابت منطقتنا وشعوبنا.
فهد الخيطان