كل فترة يصدر تقرير جديد، حول كلفة اعادة الاعمار في سوريا، وهي تقارير تذكرنا بتلك التقارير التي كانت تصدر حول اعادة اعمار العراق، وهو البلد الذي يعوم فوق بحيرة نفط وثروات، لكن ملف اعادة الاعمار فيه تعثر خلال السنين الفائتة لاعتبارات كثيرة، برغم كل الثروات فيه.
ممثل برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، يعقوب كيرن، اعلن، أخيرا، إن إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في سوريا ستتطلب من 200-300 مليار دولار على الأقل.هذا مجرد رقم تقديري. تمت حسبته وفقا لاجتهادات او معايير محددة.
قرأت تقديرات سابقة ترفع المبلغ الى 500 مليار، والمشكلة في هذه الارقام، انها لا تحسب بشكل دقيق خسائر الافراد، من حيث نهب ممتلكاتهم، او قصفها كليا او جزئيا، او توقف اعمالهم، او عدم تحصيل ديونهم من الاخرين، او اغلاق مصالحهم التجارية، او توقف نشاطاتهم الزراعية، اضافة الى خسائر الافراد، على مستوى فقدان الوظائف والاعمال الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، واضطرارهم للهجرة، وضياع مدخراتهم، اضافة الى الاضرار التي تتسبب بها العمليات العسكرية، من حيث اعاقة الفرد، وعدم قدرته على العمل، والمعايير هنا، كثيرة.
اعادة اعمار سوريا، ملف شائك، والكل يدرك ان هناك دولا لا تريد دفع قرش واحد، مادام الرئيس السوري بشار الاسد في موقعه، لان اعادة الاعمار هنا بمثابة مكافأة للنظام، هذا فوق عدم الثقة بعمليات اعادة الاعمار من حيث النزاهة والشفافية، وطرق انفاق الاموال، اذا افترضنا ان عملية اعادة الاعمار ستتم عبر النظام ذاته، وليس عبر المؤسسات الدولية.
في كل الاحوال، فإن الدول الراعية للنظام السوري، ذاتها، لن تكون قادرة على دفع مبالغ كبيرة، ربما عدة مليارات من اصل مبالغ بمئات المليارات مطلوبة من اجل سوريا، وعلى الاغلب فإن حلفاء دمشق الرسمية، عيونهم على ذات عمليات الاعمار من اجل الفوز بعطاءات بمبالغ مالية كبيرة جدا، وهذا يعني ان من عينه على هذه المشاريع، لن يكون ممولا نهاية المطاف، واذا كان ممولا، فهو سيساهم بشكل جزئي ومحسوب تماما على مستويات مختلفة.
الامر الاهم يتعلق بثروات سوريا المختلفة، ومدى قدرتها على المساهمة بإعادة الاعمار، وهذه عملية تحتاج الى وقت طويل، بما يعني ان مجمل عملية اعادة الاعمار، ستكون بطيئة جدا، هذا على افتراض ان البيئة باتت آمنة تماما، وعمليات الاستفادة من ثروات سوريا، تجري بشكل طبيعي، ودون عراقيل، هذا مع الافتراض المنطقي هنا، ان دولا كبرى -مثل روسيا والصين- ستحاول المقايضة بين سيطرتها على ثروات سوريا، مقابل تولي عمليات اعادة الاعمار.
الرئيس السوري وفي تصريحات سابقة حول اعادة الاعمار قال لقناة « تي بي أس» اليابانية وقبل اكثر من عام «إن ذلك يستغرق وقتا لأنه يتطلب الكثير من المال. كل سوري سيعيد بناء منزله طبقا لموارده وحتى لو كانت محدودة وهناك المغتربون واللاجئون الذين غادروا سوريا وبعضهم في وضع جيد ويريدون العودة، وبدعم من أصدقائنا روسيا والصين وإيران وهناك العديد من البلدان الأخرى بدأت بمناقشة إعادة إعمار سوريا وستقدم المساعدة من خلال مواردها المالية. هناك العديد من الموارد لإعادة بناء سوريا. المسألة لا تتعلق بالوقت فهي ستستغرق وقتا وأي عملية لإعادة البناء تستغرق الوقت».
هكذا يبدو واضحا الطريقة التي تفكر بها دمشق الرسمية، بشأن اعادة الاعمار، الاعتماد على موارد السوريين، وانتظار الدعم من دول كبرى، والكل يعرف ان موارد السوريين الفردية، قد تضررت بشدة، فيما الدعم الدولي، سيبقى محدودا وغير كاف لاعادة الاعمار، بشكل منطقي.
خلاصة الكلام ان الحل الوحيد المتاح، حل سيئ جدا، اي رهن ثروات سوريا، لدول كبرى، مقابل اعادة الاعمار، ونحن هنا، نتحدث عن الحل المتاح، خصوصا، ان بقية الحلول غير كافية اساسا، وهذا الحل لا يختلف من حيث معناه عن مغزى هدم كل سوريا وتدميرها.
ماهر ابو طير