حيثما وليت وجهك في عمان، ترى امرا غريبا، عرفناه دوما، لكنه اصبح اكثر من ظاهرة، وهي قصة يتهاون الكل بشأنها برغم انها لصوصية مقنعة، فوق انها تشوه سمعة البلد.
اولئك الذين يتسولون عند الاشارات الضوئية، اصبحوا عصابات كبرى، اذ عند كل اشارة مرورية، تجد خمسة افراد، كل فرد يتولى اشارة ضوئية، والكارثة ان النسوة والصبايا منهم، يرتدين النقاب، من اجل اخفاء هويتهن، وليس لاسباب دينية، لكن المؤلم في الموضوع، ان تصبح عشرات الاشارات المرورية، تحت سيطرة عشرات المنقبات، اللواتي يسرقن رمزا له دلالته النبيلة، في كل الاحوال، وفي هذا اساءة الى سمعة المتدينات اساسا، والى سمعة الاسلام، والى سمعة البلد، فوق النصب والاحتيال، والنقاب بريء منهن، ومن هكذا تصرفات اجرامية.
هذه العصابات التي تتسول عبر امرين، اولهما التسول المباشر، عبر مد اليد، والتذمر والشكوى، او عبر بيع منتجات، طمعا في زيادة ثمن المنتج، عند الشراء، مجرد نواة لعصابات اكبر، باتت موجودة في كل مكان في البلد، وليذهب المختصون الى الاف المحلات التجارية، والمكاتب، والبيوت، وسوف يسمعون ان هناك جولات يومية، للمتسولات، فتدخل الواحدة وتطلب مالا، او سلعة، وهذه الظاهرة كانت محدودة، لكنها تتوسع يوميا، ونراها ايضا، عند اجهزة الصراف الالي، والمصارف، ومحلات الصرافة، ومواقع كثيرة، ونادرا ما يسلم اي موقع تجاري صغير او كبير من هذه الجولات.
هذا يثبت اولا ان الحرب على التسول فشلت، فشلا كبيرا، وان الظاهرة تتمدد بشكل غير طبيعي، وان هناك عصابات باتت تتخصص في هذا العمل، وتلجأ الى النصب والاحتيال، تارة باستعمال تقارير طبية مزورة، او ارتداء ملابس ذات دلالة دينية، لاثارة العاطفة، او بأي شكل من الاشكال، وكثيرا ما شوهدت سيارات تحمل عشر متسولات ومتسولين، وتقوم بتوزيعهم على الاشارات، او المناطق التجارية، او في الاحياء، وتعود لاخذهم نهاية النهار.
العاطفة التي تحكمنا، تجعل كثيرين، يدفعون المال، بحجة ان هذا سائل لا يجوز رده، لكنهم ينسون هنا، ان السائل المقصود بالنصوص الدينية، هو السائل المحتاج، فعليا؛ لان منح المال لهؤلاء، يتم على حساب المحتاجين الحقيقيين، الذين من الاستحالة ان يخرجوا من بيوتهم، ويرسلوا زوجاتهم وبناتهم الى ورش العمل، او الاشارات الضوئية، او المحال التجارية، بل ان دفع القليل لمثل هذه العصابات، لا يبقي قليلا، كما يظن كثيرون، بل يتم جمع مبالغ مالية فلكية، نهاية اليوم، وكثيرا، ما اعلنت الجهات الرسمية، عن القبض على متسولين، بحوزتهم مبالغ كبيرة.
رمضان يقترب، وهذه العصابات سوف تغزو البلد، فهو موسم لجمع المال، والمؤلم هنا، ان هؤلاء يشوهون سمعة البلد، وكأن اهله يتسولون، برغم اننا نعرف ان هذه مجرد عصابات لا تمثل احدا، فأين هي الدولة ومؤسساتها عن هذه العصابات، الواجب ضربها في عقر دارها، بدلا من ملاحقة المتسول ذاته، كفرد، وهذا يعني اليوم، ان ظاهرة الشبكات او العصابات المنظمة، واجبة المعالجة، بشكل مختلف.
الظواهر الاجتماعية السلبية، نتيجة طبيعية للفقر، لكن هذه الظاهرة حصرا، ليست نتيجة طبيعية، هي خطر، مثل المخدرات، والعنف، واي شيء آخر، ولو كانت هناك اجراءات حقيقية لما تحولت العاصمة، الى محطة كبرى لعصابات المتسولين، الذين يسرقون ايضا المال الواجب منحه للمحتاج الحقيقي، وهكذا تصير جريمتهم مضاعفة.
يبقى السؤال موجها الى كل الجهات، من الحكومة الى وزارة التنمية الاجتماعية مرورا بالامن العام، وبقية الجهات ذات الصلة، لنقول الى متى تتفرجون على هذه العصابات؟!.
ماهر ابو طير