يُرتكب خطأٌ فاحش وكبير بالتقليل والاستهانة بنتائج استطلاع الرأي الأخير، الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، مؤخراً، بمناسبة مرور عام ونصف على حكومة هاني الملقي في تشكيلها الثاني!
وليس طبيعياً، أبداً، هذا الانهيار الكامل في شعبية الحكومة لدى الرأي العام الأردني، وهو انهيار غير مسبوق، ويمثل استثناءً خطراً، يستدعي قرع أجراس الخطر كافّة. نعم هكذا من المفترض أن يُقرأ الاستطلاع الأخير، الذي يصل فيه الرئيس إلى رقم 29 % في مدى قناعة الناس بقدرته على القيام بمسؤوليته، وحكومته قرابة 30 %، بينما كانت الحكومات السابقة تصل في أسوأ حالاتها إلى حدود الـ50 %، قبل أن تتراجع بحدّة مع فايز الطراونة وعبدالله النسور، لكنّها لم تقترب من هذا الرقم الكارثي بأي حال من الأحوال!
سواء كان هذا الأمر من الممكن أن يحدث مع أي رئيس آخر أو حكومة أخرى، أم أنّه مرتبط بقصور وضعف ملحوظ في الحكومة الحالية، بخاصة في الجانب السياسي، فإنّ النتيجة واضحة جليّة، كالشمس في رابعة النهار، وتتمثّل في أنّنا أمام وضع غير طبيعي، ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو، سياسياً، ولا يمكن لحكومة بهذا المستوى من القبول الشعبي أن تكون قادرة على قيادة دفّة الأمور والاستمرار!
حتى عبدالله النسور، وهو رئيس الوزراء، الذي جاء خلال حقبة ساخنة من الربيع العربي، وقام بما يشبه ما تقوم به الحكومة الحالية من قرارات مسّت الأسعار (وهو الأمر الذي يمثل -وفقاً لأرقام الاستطلاع- الهاجس الأول لدى الأردنيين) لم يصل في “انجراف الشعبية” إلى ما وصلت إليه الحكومة الحالية، ولم يقترب منه حتى، فبعد عام ونصف كانت شعبيته بحدود 54 %، فيما نتحدث اليوم عن 29 %؛ أي قرابة نصف شعبية النسور المتدنّية أصلاً حينها، فأيّ وضع وصلنا إليه؟!
التعديل الوزاري الأخير، الذي كان من المفترض أن يعطي دفعة للحكومة، ويمنحها “ديناميكية سياسية” جديدة، لم يؤدِّ إلى ذلك، بل لا ترى أغلبية العينة الوطنية أيّ تغيير متوقع على أداء الحكومة بعد التعديل، بالرغم من أنّه استحدث موقع نائبي رئيس!
الطامّة الكبرى أنّ الانجراف الكبير في الأرقام لا يقف عند حدود شعبية الرئيس والحكومة والفجوة المتنامية (كما أطلقت عليها استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ولم تعد فجوة بل أصبحت “واديا سحيقا”، غير ذي زرعٍ، يفصل بين الشارع والحكومة)، بل تضرب بقوة المزاج السياسي العام في البلاد، وهو ما يظهر في رؤية الشارع لسير الأمور؛ إذ ترى أغلبية كبرى قرابة الثلثين أنّ الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ، وهي أعلى بعشر نقاط فقط عن آخر استطلاع، وهذه سابقة كبيرة في استطلاعات الرأي، لم يسبق أن حدثت مع أي حكومة، خلال هذه الفترة القصيرة؛ إذ تكسّرت كل الأرقام التقليدية في استطلاعات الرأي حالياً!
مثل هذه المعطيات المقلقة جداً تستدعي إعادة النظر في قراءة اللحظة الراهنة والمرحلة المقبلة، وضرورة تنشيط خطّ الاتصال والاشتباك السياسي بين المسؤولين والشارع، ونحن قادمون على قرارات وتعديلات اقتصادية تستدعي تجاوز “عقلية التمرير” إلى الحوار الحقيقي، وترميم “جدار الثقة” المتهالك!
د. محمد ابو رمان