عاش الفلسطينيون في سوريا، بشكل جيد، الى حد كبير، والنظام هنا، الذي لا يستحق المجاملة، لم يتعرض للفلسطينيين بسوء، بل كانوا وفقا لرواياتهم، يعيشون ظروفا حسنة جدا.
باستثناء التنظيمات الفلسطينية، التي رعاها النظام، او دربها او سلحها، من شتى الاتجاهات، او تلك المحسوبة على يمينه فعليا، فإن النظام ذاته لم يتعرض للفلسطينيين في سوريا، لكنه في لبنان، له حكايات تستحق ان تروى لاحقا لاعتبارات كثيرة.
قصة التنظيمات الفلسطينية التي صنعتها انظمة عربية، من جبهة التحرير العربية، في العراق الى تنظيمات اخرى في سوريا، وغير ذلك من قصص يعرفها الجميع، تسببت بنتائج كارثية، لان بعضها انحرف عن عنوانه الاساس، واشتغل بندقية عند هذا النظام او ذاك، وقد رأينا ما تسبب به تورط بعض التنظيمات في حروب لبنان، كرمى لعواصم محددة، وما تسببت به تنظيمات ايضا، عند احتلال صدام حسين للكويت، والامر ذاته انطبق على القصة السورية، حين حاربت تنظيمات فلسطينية نيابة عن النظام، وزجت بالمكون الفلسطيني في الازمة السورية، دون ان تتعلم من قصص تنظيمات سابقة.
مناسبة هذا الكلام، ما يجري من توريط للمكون الفلسطيني في سوريا، في هذه الفوضى، اذ ان التنظيمات الفلسطينية التي انحازت للنظام، تسببت برد فعل غاضب وسيء جدا، من كل السوريين الذين يناهضون النظام، هذا في الوقت الذي تم توريط فلسطينيين فيه، في عمليات ضد النظام، عبر الانتماء الى داعش، او تنظيمات اخرى، وبحيث تحولت المخيمات، الى ساحات حرب، جراء التمركز العسكري فيها، واضطرار المدنيين الفلسطينيين الى مغادرتها، الى مناطق اخرى داخل سوريا، او غيرها من مناطق في هذا العالم العربي.
فوق كل هذا لماذا تختار تنظيمات عسكرية، مثل داعش، وغيرها من تنظيمات التمركز في مخيمات فلسطينية، دون مراعاة حساسية المخيم في اي بلد، وحساسية التجارب الفلسطينية، التي شهدناها في كل الدول التي تواجدت بها تنظيمات فلسطينية، فما علاقة الشعب الفلسطيني المهجر بكل هذه الحروب الصغيرة والكبيرة، ولماذا تصر كل التنظيمات الفلسطينية، وغير الفلسطينية على زج هؤلاء، بكل هذه الازمات، بحيث تكون النتيجة، تحول المكون الفلسطيني في لبنان، الى مكون مرفوض ومكروه، والمكون الفلسطيني في الكويت، الى مكون مشكوك به، لا يصون العشرة، فيغادر مئات الالاف بعد حرب الخليج، وتحرير الكويت، فيما الفلسطينيون في سوريا اليوم، تحت مطارق كل الجهات، ما بين النظام، واعداء النظام على حد سواء.
شهد الفلسطينيون للمفارقة في قصة الكويت والعراق، ضربة مزدوجة، فالكويت الشقيقة نظرت اليهم بارتياب شديد بعد عام 1990 جراء تصرفات نفر قليل، والتنظيمات الموالية لبغداد، فدفعوا ثمنا باهظا، فيما العراق الشقيق بعد سقوط نظام صدام حسين نظر الى الفلسطينيين في العراق، باعتبارهم سنة ومن جماعة صدام، فتم حرمانهم من كل حقوقهم، وغادرت اعداد كبيرة العراق.
كل هذا الكلام، يثور في البال، ونحن نتلقى المعلومات حول مخيم اليرموك، والذي يقصفه النظام، لكن لا احد يقول لك، هل النظام يقصف الفلسطيني المدني، ام اعشاش الدبابير، من كل انواع التنظيمات التي تمرجلت على مخيم لاجئين، وحولته الى ثكنة عسكرية وجلبت الى اهله الخراب والدمار، فكانت ضربتهم، عن ضربتين، ضربة لجوء عام 48، وضربة الفوضى السورية.
لم يتمكن الفلسطينيون حتى اليوم، من منع اختطاف تمثيلهم، ولا من توريطهم، جراء تلك الوكالات التي يختطفها نفر مقابل مصالحهم، فتتنزل الفاتورة على كل الفلسطينيين في كل بلد، وهم براء من هذه الانتهازية، والتدخل في شؤون اي بلد عربي، مثلما يحق لنا ان نسأل عن سر بوصلة تنظيمات غير فلسطينية، وانظمة عربية، تتمركز كل نشاطاتها السيئة، بين الفلسطينيين، او في مواقع تجمعاتهم.
بهذا المعنى فإن الفلسطيني، هو الطرف المشترك في كل الازمات العربية، اذ نجده متورطا برضاه وغير رضاه، في هذه الازمات، والفواتير تتنزل عليه وعلى سمعة شعبه، وقصة اللجوء، مضاعفة، بما يعني ان عليهم اليوم، التشديد، على صون وجودهم، وعدم السماح لكثيرين، بتوريطهم فيما يعتبر ازمات عربية مدفوعة الثمن لاحقا.
بوصلة الفلسطينيين يجب ان تبقى فلسطين، وان لا يسمحوا لأحد بتحويلهم الى مجرد طائفة عربية، مشكوك بها في كل مكان.
ماهر ابو طير