يبدو مزاج المسؤولين العائدين من واشنطن إيجابيا، أقله أن الأمور مع صندوق النقد الدولي تسير بالاتجاه المطلوب، لغايات التوصل لاتفاق حول المراجعة الثانية للاتفاق الموقع بين الطرفين.
الأمور كانت متوترة قبل سفر البعثة الأردنية رفيعة المستوى، والتي ضمت محافظ البنك المركزي زياد فريز ووزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري ووزير المالية عمر ملحس، وكانت بوادر الانفراج في العلاقة مع المؤسسة الدولية محدودة، خصوصا بعد الخلاف على تحرير أسعار الخبز والتخلص من دعم هذه السلعة الاستراتيجية وتقديم دعم نقدي مقابل القرار يستثنى منه اللاجئون السوريون.
المسؤولون العائدون من واشنطن، مقر المؤسسة الدولية، بدوا مرتاحين لنتائج الزيارة، بعد ان قدم الأردن خطته للفترة المقبلة والتي تتضمن إقرار قانون جديد لضريبة الدخل كما يشترط الصندوق، حتى يتمكن الأردن من مصادقة إدارة الصندوق على المراجعة الثانية للبرنامج “الإصلاحي”.
إجرائيا، يقدم الأردن الحزم التي اتخذها في الفترة الماضية ويستعرض المؤشرات التي حققها، ثم تزور البعثة المملكة خلال الفترة المقبلة للوقوف على الحال، بعد ذلك تكتب تقريرها وترفعه للمجلس التنفيذي للصندوق، ليوافق الأخير على توصيات البعثة، ويكون الأردن بذلك “ناجحا” في تجاوز المراجعة الثانية، ويحصل على مبلغ القرض المتفق عليه، إضافة لحصوله على شهادة حسن السلوك عن الفترة الماضية.
الوفد الأردني عاد، وبدأ باتخاذ اللازم قبل تقرير موعد زيارة البعثة. وأعلن وزير المالية أمس أن مسودة قانون الضريبة ستعرض على مجلس السياسات الاقتصادية الأسبوع المقبل تمهيدا لعرضها على مجلس الوزراء وإقرارها.
بعد ذلك، وتطبيقا للخطوات الدستورية في سن أي قانون جديد يحول مشروع القانون لمجلس النواب، حيث سيصار لعقد دورة استثنائية لغايات إقرار القانون، ليدخل حيز التنفيذ في العام المقبل، كما يقول مسؤول حكومي رفيع، وبذلك يظهر أثره المالي في موازنة 2019.
بحسب التسريبات الحكومية ستخفض الإعفاءات الضريبية على الأفراد والأسر لتصل إلى 18 ألف دينار سنويا للأسرة، ونصفها للأفراد، وهو الجزء الحساس والحرج في التشريع كونه يمس الطبقة الوسطى بشكل مباشر، أما الجزء الآخر من القانون فيتعلق بتحسين كفاءة التحصيل ومحاصرة التهرب الضريبي وتغليظ العقوبات على المتهرب، بحيث تكون عقوبات رادعة.
تقدير حجم الأثر المالي لقانون الضريبة الجديد متفاوت، ففي وثيقة النوايا التي رفعتها الحكومة لإدارة الصندوق بتاريخ 9 أيار 2017 قدر حجم الإيراد بحوالي 80 مليونا للعام 2019، فيما يتوقع مسؤولون أن يرتفع الرقم في حال التزمت الحكومة بشكل حقيقي بمحاربة التهرب الضريبي.
الأردن وقع الاتفاق مع الصندوق على أن يكون التنفيذ على مدة 36 شهرا بدأت في 2016 بعد أن انتهى برنامج آخر في 2015، ويتوقع أن ينتهي البرنامج الحالي بنهاية 2019، وأن يحقق عددا من الأهداف، أهمها تخفيض نسبة الدين العام نسبة للناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض نسبة العجز في الموازنة، إضافة الى إصلاحات في سوق العمل وإدارة ملف اللاجئين، وتعزيز المساءلة والحوكمة، وتحسين بيئة الأعمال.
الحكومة قد تنجح في تحقيق بعض الأهداف السابقة، لكنها بالتأكيد لن تتمكن من تحقيق أهم الأهداف والمتمثل بتخفيض نسبة الدين من 95 % من الناتج المحلي وصولا إلى 77 %، فهذا الهدف منذ لحظة إقرار الاتفاق كان حلما غير قابل للتحقق، ومع كثير من التفاؤل لا يمكن تخفيض النسبة لأكثر من 85 % من الناتج المحلي بحلول نهاية العام المقبل، إلا إذا حدثت مفاجآت كبيرة سارة كأن تهبط علينا المنح والمساعدات، وهو أمر لم يعد بالوارد.
بالنتيجة رحلتنا مع الصندوق ما تزال طويلة، وإصلاح الحال ربما يحتاج أكثر من برنامج مع الصندوق، وبطبيعة الحال ستحقق الحكومات منجزات رقمية تحت رقابة الصندوق، لكن من يخبرنا متى ستحقق التنمية التي طال انتظارها، طالما أن كل الحلول على حساب جيب المواطن وتحقيق مزيد من الإيرادات تطبيقا لسياسات جبائية أنهكت جيوب الأردنيين.
جمانة غنيمات