لم تفارق الأزمات أجواء الشرق الأوسط أبدا؛السنوات الأخيرة حملت معها أسوأ الأحداث وأكثرها دموية. وليس في الأفق مايشير إلى نهاية لحقبة الفوضى والحروب؛على العكس تماما فالتوقعات كلها توحي بالمزيد.
مع حلول منتصف هذا الشهر، تنوي واشنطن نقل سفارتها إلى القدس المحتلة،وربما يحضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب المناسبة، في خطوة تضاعف من مشاعر الاحتقان والاستفزاز للفلسطينيين والعرب.
وفي الموعد ذاته ستعلن واشنطن كما هو مرجح، قرارها بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
أيام حاسمة مع بداية شهر رمضان، ستلقى أحداثها أثرا ملموسا في الشارع العربي.
الفلسطينيون لن يحتملوا الصمت على نقل السفارة إلى القدس،ومن المتوقع أن تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة موجة احتجاجات واسعة، لايعرف مداها،لكن المؤكد أنها ستمتد لشوارع عربية.
ليس واضحا بعد إن كانت واشنطن ستطرح في وقت متزامن خطتها للسلام”صفقة القرن” لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.لكن على ما تسرب من تفاصيل عن بنود الصفقة ستغدو الخطوة كمن يصب الزيت على النار.
إسرائيل غير مكترثة بنوايا الإدارة الأميركية حيال موضوع السلام فقد حصلت بشكل مسبق على الضمانات اللازمة،ويكفيها في هذا الصدد الاعتراف بالقدس عاصمة. تركيز حكومة نتنياهو منصب على إيران،وقد شرعت منذ أيام بحملة لمساندة واشنطن في قرارها المرتقب حول الاتفاق النووي، كانت باكورتها ما زعمت أنها وثائق سرية تؤكد استمرار طهران بتطوير برنامجها للتسلح النووي.
وفي ظل نهجها التصعيدي والعسكري ضد الوجود الإيراني في سورية، تذهب توقعات الخبراء الأميركيين إلى حد الاعتقاد بأن تل أبيب على وشك شن هجوم عسكري واسع على إيران.
يراقب الأردن هذه التطورات بقلق بالغ، ويتحسب لنتائجها وتداعياتها.لقد نجح في إدارة خلافاته مع واشنطن بعد قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأقل التكاليف الممكنة على العلاقات الثنائية بين البلدين، وحافظ على نصيبه من المساعدات الأميركية السنوية،لا بل زاد عليها،دون أن يقدم أي تنازلات عن موقفه بشأن القدس.
زيارة وزير الخارجية الأميركي المعين حديثا لعمان مايك بومبيو، مطلع الأسبوع،منحت الجانب الأردني فرصة لعرض موقفه من التطورات المحتملة في المنطقة،والتي أظهر بومبيو تفهما لها، مما يساعد في تقبل الاعتراض الأردني المتوقع على قرار تدشين السفارة في القدس.
في المقابل يخشى الأردن من تداعيات التوتر مع إيران وانعكاساته على الجنوب السوري واحتمالات انهيار منطقة خفض التصعيد.إيران قد تسعى من طرفها للرد على التصعيد الأميركي الإسرائيلي بخطوات استفزازية في المناطق المتاخمة لإسرائيل.وفي حال انفلات الوضع،لايستبعد أن يتحول الجنوب السوري لساحة مواجهة إيرانية إسرائيلية.
يحاول الأردن درء هذه المخاطر مبكرا، وتأمين الوضع القائم في الجنوب السوري، والمحافظة على منطقة خفض التصعيد،إلى حين تبلور حل يضمن استقرارها تحت سلطة الشرعية السورية في إطار حل سياسي للأزمة.
عمان تراهن على موسكو الطرف الرئيسي في الاتفاق الثلاثي، ولهذا توجه وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى سوتشي بالأمس للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف.
الإدارة الأميركية وعلى لسان وزير خارجيتها أكدت من عمان التزامها باتفاق عمان الثلاثي،والأرجح أن موسكو ستعيد تأكيد تمسكها بالاتفاق خلال لقاء الصفدي ولافروف.
المؤشرات مطمئنة، لكن التطورات الوشيكة على الجبهتين الغربية والشمالية تستدعي أعلى درجات اليقظة.
فهد الخيطان