كتّاب

رجعنا للفساد!

أكثر اللحظات حرجا التي من الممكن أن تواجهها في حياتك هي عندما تصعد على (اللوج) في حفل الخطوبة أو الزفاف.
عند الرجال لا يوجد عندك أي مشكلة، فحتى لو لم تكن تلبس بدلة لا أحد يلاحظ ذلك، بينما عندما تدخل الى قاعة السيدات تشعر وأن العيون ستفترسك من شدة التدقيق عليك، وكأن الحاضرات من دائرة مكافحة التهريب أو مفتشات في الأمم المتحدة!
بعد دقائق من دخولك، تلاحظ أن القمم الثنائية قد بدأت بالانعقاد فورا للنميمة عليك أو على العروس، مخرجات تلك القمم عادة ما تبين مقاس طول أنفك، وأن في نهايته بعض الاعوجاج مع أن تلسكوبا فضائيا لا يستطيع اكتشاف ذلك الاعوجاج غير الظاهر للعيان، وأن لك أذنا أطول من أذن مع أن فيثاغورس لو طبق كل نظرياته على أذنيك لما استطاع اكتشاف أن هناك أذنا أطول من أذن، وإحدى الحاضرات كان لها اكتشاف عظيم، وأتعجب أنها لم تسجل براءة تلك الاختراع باسمها، فقد رصدت أن عينيك ترمشان فوق الحد المسموح به دوليا، مع أن أحدا من عائلتي وقد عشت معهم عقودا من الزمن لم يلاحظوا لو مرة واحدة أنني أصلا أرمش!
العروس، وبما أنها احتاطت مسبقا، واستعلمت ما يكفي لدهان شقة لإخفاء أي عيوب قد تظهر، إلا أنها ومع كل ذلك لا تسلم، فقد لاحظت معظم الحاضرات أنها تلبس كعبا عاليا حتى لا تظهر قصيرة، وأن رموشها صناعية وليست طبيعية مع أن من رصدت هذه الملاحظة الدقيقة جدا لم تشاهد باب السيكوريت عندما دخلت الى القاعة وارتطمت به، كما رصدت إحدى الجالسات في آخر القاعة أن وسع فم العروس لا يتناسب مع طول الرقبة وكأنها زرقاء يمامة هذا العصر مع أن ابنها مدخن ولم تستطع حتى اليوم اكتشافه.
في حفلات الخطوبة والأعراس لا تدري حقيقة هل الهدف من الحضور تهنئة العروسين أم كتابة تقرير طبي عن وضعهما الصحي!
مهما كانت الانتقادات لاذعة، فهي لا تعني شيئا للعروسين، فهي من أشد المعجبين بأنفه حتى لو كان يشبه بوري الصوبة، وهو أيضا لا يعنيه إن كانت الرموش صناعية أم طبيعية طالما قلبها ينبض بحبه.
قال رئيس الوزراء، إن الذي يحارب الفساد ليس 30 وزيرا بل المواطن الأردني، وأضاف أن من يمسك شخصا ارتكب الفساد عليه أن يؤشر عليه ويبلغني عنه.
إذا ما تصفح دولة الرئيس مواقع التواصل الاجتماعي، فسيجد أن الأردنيين نشروا قضايا فساد عاصروها أو كانوا شهود عيان أو سمعوا بها أكثر مما نشروا “جمعة مباركة”.
سيدي، نحن مثل الحاضرات في حفلات الزفاف، قلنا لكم من يده طويلة، وشرحنا لكم من بطنه بالوعة، وبينا لكم مقدار ثروات البعض بالفلس، وفصلنا لكم أن بعض القصور والسيارات لا تتناسب مع دخل بعض الفاسدين.
بعد كل ذلك، لم يتغير شيء وكأن علاقة الفاسد بالسلطة تشبه علاقة العروسين، نحن علينا أن ننتقد ونؤشر ونرصد أهم ما يعيب الفاسدين، وهم غير معنيين بكل ذلك، فهم معجبون بالسلطة، والسلطة معجبة بهم حتى لو كانت يد الفاسد أطول من طريق عمان العقبة!
إن كان 30 وزيرا، بأجهزتهم وسلطتهم وموظفيهم، غير قادرين على محاربة الفساد، فهل أنا الذي لا أملك شيئا قادر على محاربتهم، يا زم هظول فاسدين أكلوا البلد مش قارص معبي البلد!

صالح عربيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *