ما جرى في نقابة المهندسين ليلة الجمعة يشبه الزلزال, في أقوى قلاع الإسلاميين على الاطلاق, تلك النقابة التي بقيت في قبضتهم لما يصل إلى ربع قرن من الزمان, وكان هناك عدد كبير من المراقبين يراهنون على عدم قدرة خصومهم على المنافسة بعد أن تجذروا في النقابة وترسخ وجودهم جيلاً بعد جيل.
ويبدو أن الإسلاميين كانوا يشعرون بالثقة الزائدة رغم سخونة المنافسة وشدتها، إذ إن النقيب المنافس استطاع الفوز بفارق يزيد عن (1200) صوت.
ما جرى في نقابة المهندسين يشكل الدرس الأعظم للاسلاميين ولكل العاملين في حقل الفكر الإسلامي الدعوي والسياسي والنقابي على حد سواء, وهو يستحق المراجعة العميقة والتوقف ملياً في المستقبل. أقول هذا الكلام للأصدقاء الكثر الذين مازلت أكن لهم الاحترام والتقدير, وقد راجعني بعضهم بخصوص موقفي من انتخابات نقابتهم على وجه الخصوص.
لست بصدد الحديث عما جرى في نقابة المهندسين من تحالفات وتكتيكات انتخابية وتفصيلات لا تعنيني, وإنما أريد التأكيد على بعض الملاحظات التي حاولت الاشارة اليها في مقالات عديدة سابقة منشورة، ولكنها لم تجد أذناً صاغية في ظل اللغط التي يتم إثارته على كل ما ينشر ويكتب في هذا السياق من مراجعات ومناصحات في أكثر من محطة, وفي هذه الجزئية يمكن الاشارة إلى ما يلي:
أولاً : ينبغي في المستقبل عدم التركيز على اللون الايدولوجي في العمل النقابي, ويجب رفع مستوى منسوب التنافس البرامجي القائم على الكفاءة والقوة والأمانة التي لا يمكن احتكارها في انتماءات حزبية أو جهوية, ويجب الذهاب بحسم نحو التشاركية في العمل النقابي الوطني, وكذلك ضرورة الابتعاد عن استخدام الشعارات العاطفية بكل ألوانها واشكالها, والبقاء على أن الإسلام يمثل إطاراً حضارياً للمجتمع كله, ويمثل مظلة لكل مكونات المجتمع, وكذلك القضية الفلسطينية التي تهمنا جميعاً بالسوية نفسها وهي ليست من الممتلكات الحصرية لتيار دون تيار.
ثانياً : تداول المسؤولية يمثل مصلحة عليا للنقابة ولمنتسبيها على وجه الاجمال, وهو سنة الكون ويكاد يكون ذلك محل اجماع التجارب العالمية والإنسانية, ولذلك ينبغي عدم الشعور بالحزن مطلقاً عند ذهاب المسؤولية من طرف إلى طرف ومن جهة إلى جهة، لأن ذلك يحسن العمل ويعظم الدور الرقابي, ويعطي القائمين على العمل العام قدرة على التحسين والتطوير والتقويم والاصلاح الحقيقي البعيد عن الشخصنة.
ثالثاً : العمل النقابي مسؤولية وطنية, وتحمل المسؤولية في هذا الحقل يمثل نوعاً من الخدمة التطوعية والتضحية وليس بابأ من أبواب التكسب المادي, مما يحتم على العاملين في مجالس النقابات الابتعاد الشديد عن الاستثمار في المواقع للأشخاص وأقربائهم وأصدقائهم بكل صرامة, لأنه مع طول الامد تنشأ مجموعة من المصالح المادية وشبكة واسعة من المكاسب المتنوعة التي تشكل نوعاً من أنواع الفساد المباشر وغير المباشر, ويصبح الحرص على النقابة نابعاً من الحرص على المكاسب الشخصية وليس من باب نصرة الفكرة أو المبدأ وإن تلبست بذلك على سبيل التكلف البارز المصطنع.
رابعاً : يجب أن ندرك أننا أمام مرحلة جديدة ومختلفة بالكامل تحتاج إلى أشخاص جدد وعقول جديدة وأجيال جديدة وأساليب جديدة وأدوات جديدة وأفكار واستراتيجيات جديدة, وعندما يتربع على سدة القيادة زمرة من أصحاب التكتيكات والفذلكات بعيداً عن الروح والفكر والدعوة فقد جاءت النهاية المحتومة بلا أدنى ريب, خاصة عندما يظهر من يجيد الاغتيال والتشويه وكيل الاتهامات ويقف عائقا امام اجراء المراجعات الضرورية.
د. رحيل غرايبة