ما جرى في نقابة المهندسين على أنه انتصار للقوى اليسارية وحلفائهم وصف يبتعد عن الذمة ويحمل قدراً من التسطيح المخل الذي لا يقرأ المشهد بعمق ومليء بالرغبوية الجامحة المشوبة بالعداء التقليدي والخصومة التاريخية الممتدة عبر نصف قرن من الزمن إلى الخلف.
وكذلك الوصف الآخر بأنه تحشيد أجهزة الدولة وتدخل الجهات الرسمية ولطيف من الخصوم والأعداء من مختلف المشارب ضد الإسلاميين فهو وصف مغرض في حالة بعيدة عن الواقع وتحمل قدراً من اللهجة البربرية والاعتذارية للأتباع بطريقة تبتعد عن العلمية والموضوعية وتبتعد عن استحقاق ضريبة المراجعة والمحاسبة الضرورية والحتمية لمن يرغب بالبقاء على مسرح اللعبة السياسية.
العالم العربي يحث الخطى نحو مرحلة جديدة قادمة مختلفة اختلافاً جذرياً وعميقاً عن المرحلة السابقة بكل تجلياتها، على مختلف الصعد وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية والحزبية والقوى الاجتماعية، وربما ما حدث في حقبة السبع سنوات المنصرمة شكل مرجلاً ساخنا للتعبير، ووضع الشعوب والمجتمعات والأنظمة على صفيح ساخن، سوف يؤدي إلى تغيير حتمي جذري وعميق، ولكن يكون هذا التغيير الجذري والعميق مرتبطاً برعاية الأطراف المؤثرة في المشهد السابق، ولن يتوقف الزمن على حدود ادواتها ووسائلها واساليبها وقدراتها الفكرية وامكانياتها الموروثة والتقليدية في محاولة الحد من حركة التاريخ.
نتائج انتخابات نقابة المهندسين هي احدى اشكال التعبير عن ضرورة التخلص من تبعات المرحلة السابقة، وبلورة معالم المنهج الجديد الذي بدأ يظهر ويكبر وينمو باضطراد والذي يقوم على فكرة إيجاد أطر جديدة قادرة على استيعاب الكفاءات الوطنية الزاخرة في المجتمع والطاقات الهائلة القادرة على صناعة النهوض الحقيقي بعيداً عن الاصطفافات الأيدلوجية واستقطابات الالوان الحزبية التقليدية التي عملت على شرذمة المجتمع وايجاد الجدران العالية بين مكونات المجتمع الواحد، واذكاء التنافس القائم على البرامج والأفكارالخلاقة في خدمة المجتمع ومعالجة مشاكله عبر التعاون والتشاركية بين قوى المجتمع في جو من الحرية واحترام كرامة الإنسان والإقرار بالتعددية بعيداً عن التعصب المذموم وبعيداً عن اذكاء الأحقاد التاريخية والدينية والمذهبية والعرقية والطائفية، وبعيداً عن منهج المحاصصة الذي يفرض نفسه بحكم الإقرار بالواقع الفاسد والمريض.
نحن امام فرصة جديدة لمغادرة مخلفات المرحلة السابقة، والتخلي عن ازلام التشدد والتطرف من كلا الفريقين، من أجل بناء مشروع وطني توافقي يحظى بتوافق العقلاء والمخلصين لوطنهم وامتهم بروح حضارية عالية تستعصي على لغة الردح والمناكفة التي تعود بنا إلى ساحات التخلف التي تصبغ الشرعية على الإقصاء والتهميش وتهيئ لحمل السلاح كما حدث ويحدث في الأقطار المجاورة.
د. رحيل غرايبة