إذا كان هناك من بصيص أمل باستعادة قدر من الاستقرار في الشرق الأوسط، فإنه تلاشى تماما بعد قرار الإدارة الأميركية الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات اقتصادية مشددة عليها من جديد. وأقصى ما يمكن للمرء أن يأمله في ظل هذا التصعيد أن لا تنزلق الأمور لمواجهة عسكرية مفتوحة على كل الاحتمالات.
رد الفعل الأولي لإيران اتسم بالهدوء، رغم علامات الغضب التي كانت بادية على وجه الرئيس الإيراني وهو يلقي خطابه فور صدور إعلان ترامب.
طهران متمسكة بالاتفاق مع الموقعين الخمسة بعد انسحاب الطرف السادس “واشنطن”، وتعول على الموقف الأوروبي لإبقاء الاتفاق حيا وفاعلا.
هذا الموقف لا يتفق ووجهة نظر التيار المحافظ في إيران، الذي دفع على الفور لتصعيد الوضع باعتبار انسحاب واشنطن نهاية كاملة للاتفاق.
الدول الأوروبية الكبرى التي عبرت عن أسفها لقرار ترامب، تظهر قوة في تمسكها بالاتفاق، وتلتقي في هذا الموقف مع روسيا والصين. لكن عزيمة الأوروبيين ستفتر تحت الضغوط الاقتصادية. ترامب كان شديد الوضوح في تهديداته للشركاء الأوروبيين بفرض عقوبات على الدول وشركاتها التي تكسر الحظر الاقتصادي الذي سيفرض على إيران.
دورة الاقتصاد العالمي مرتبطة بأميركا، ومن الصعب على الدول الغربية التي تواجه ضغوطا تجارية هائلة من واشنطن أن تتجاهل التحذيرات الأميركية.
إيران سجلت خسائر اقتصادية فورية بعد القرار، قدرت بنحو 200 مليار دولار كان مقررا استثمارها في مجالات عدة.
من المستبعد أن تستسلم طهران للقرار الأميركي، وتقبل بفتح الاتفاق للمفاوضات من جديد. لقد حصلت على صفقة منصفة ولن تتخلى عنها تحت التهديد.
ذلك يعني أن مناخا من التوتر والمجابهة سيطغى على الأجواء في المنطقة والعالم. إسرائيل تحضر بقوة في المشهد الإيراني، ومصممة على احتواء نفوذها في المنطقة، خاصة في سورية وهي لا تتردد في استخدام القوة يوميا لتأكيد جديتها.
من المؤكد أن إيران ستندفع أكثر في المنطقة لتعزيز أوراق قوتها في مواجهة الحصار الأميركي؛ ستصعد في اليمن، وتواصل الضغط على دول الخليج، وتتمسك بالتحالف مع سورية إلى حد المواجهة العسكرية مع إسرائيل.
نذر الحرب في سورية بين إيران وإسرائيل تلوح في الأفق، وما من سبب للاعتقاد بأن حكومة نتنياهو ستتوانى عن نقل المعركة للبنان لضرب قواعد حزب الله.
السيناريو الأخطر هو أن تستلهم إدارة ترامب النموذج العراقي في الحالة الإيرانية. فهذا الإصرار على أن إيران تسعى لتطوير أسلحة نووية، رغم نفي الدول الغربية وهيئة الطاقة النووية العالمية، يذكر بموقف إدارة جورج بوش الابن تجاه العراق واتخاذها الأسلحة الكيماوية ذريعة لشن حرب مدمرة.
إيران ليست العراق، والظروف الدولية لم تعد كما كانت في تسعينيات القرن الماضي، لكن ترامب رجل خطير ويمكن أن يفعلها.
فهد الخيطان