في تسعينيات القرن الماضي، أقدم أحد رؤساء الحكومات الأردنية على رفع بعض الأسعار في خطوة لم تحظَ بأي قبول. ولكي يسوق برنامجه الاقتصادي، رفع شعارا مبتكرا كشف عن اهتمام الرئيس بما يقوله الناس وتعاطفه مع همومهم وأوجاعهم. شعار “الدفع قبل الرفع” الذي استخدمته حكومة الكباريتي في العام 1996، بقي في ذاكرة الأردنيين حتى اليوم، يستدعونه وهم يواجهون سلسلة قرارات الرفع التي لا يلازمها أي دفع بالرغم من أن الضجيج الخطابي الذي يتحدث عن مصلحة المواطن والخروج من عنق الزجاجة ومكافحة أشكال التهرب والفساد وغيرها من الشعارات، لا تجد صدى عند الكثير من المكلفين وغيرهم ممن لا تؤهلهم دخولهم ليكونوا ضمن قوائم المكلفين.
القانون المقترح لضريبة الدخل الذي أقرت الحكومة مسوغاته قبل أيام، مشروع يثير عاصفة من النقد والنقاش بين مختلف الأوساط الاقتصادية والشعبية. حتى كتابة هذا المقال لم أصادف شخصا واحدا يدعم هذا التشريع أو يبدي حماسا لمضامينه وغاياته. فباستثناء بعض النواب الذين انتخبوا لمساعدة الحكومة على تمرير التشريعات والدفاع، يواجه التشريع سيلا من الانتقادات تطال غاياته وتوقيته ومبرراته وصياغته.
التشريع الذي جرى التفكير به مرارا وتأخر عرضه لأسباب مختلفة، يشكل اليوم إحدى أهم الأوراق التي تراهن عليها السلطة التنفيذية ويعتبرها البعض الورقة الأخيرة التي تبنى عليها الآمال لزيادة واردات الخزينة. في المسوغات والشروحات التي قدمها رعاة مشروع القانون، جرى الحديث عن فعالية القانون الجديد في توسيع قاعدة المكلفين والحد من التهرب الضريبي.
بعض أعضاء الفريق الحكومي المكلف بتقديم وشرح التشريع يسوقون أرقاما فلكية للتهرب الضريبي، في حين يروج البعض للقانون باعتباره الترجمة الأوضح والأدق لسياسة الاعتماد على الذات.
الكثير ممن يعارضون هذا التشريع، يرون أن المواطن الأردني يرزح تحت ثقل الكثير من الضرائب التي تطال كل شيء، فهو يدفع للخزينة ضرائب ورسوما تزيد قيمتها في كثير من الأحيان على قيم السلع التي يقبل على شرائها.
في الأردن؛ حيث تعيش غالبية الأسر حول خطوط الفقر، يبدو مشروع القانون كابوسا جديدا يهدد الاستقرار المالي والموازنات الهشة لهذه الأسر، ويرى البعض أن تمرير مثل هذا القانون في ظرف تتقلص فيه الدخول وتتراجع إمكانات الأفراد وقدرتهم على مواجهة المطالب والكلف الإضافية للصحة والسكن والتعليم والنقل والواجبات الاجتماعية، مخاطرة تهديد الأمن والسكينة النسبية للأسر التي ناضلت لترتيب أوضاعها بشق الأنفس.
المبررات التي قدمتها الحكومة لمشروع القانون الجديد تتجاهل الخصائص والسمات التي تميز الاقتصاد الأردني.. فغالبية الأردنيين يعيشون على التركات والعطايا التي يقدمها الأقارب والأحباء، كما تستمر العديد من الأسر الأردنية في مواجهة أعباء المعيشة من خلال المساعدات والإعانات التي يتلقونها على هيئة حوالات شهرية.
لا أعرف الطريقة التي ستتعامل بها دوائر الضريبة مع الأوضاع والحالات في بيئة يشتد فيها الاستقطاب وتتنامى ظواهر الشكوى والاستحقاق.. ولا أعرف الآلية التي ستحد فيها الضريبة من التلاعب بالتقدير والمراجعة والتحصيل والبيانات الوهمية التي تعد لإظهار الشركات والأعمال في أوضاع تستثنيها من دفع الضرائب.
هل سيتوقف باعة البطيخ وسيارات الخضراوات المتجولة وتجار البيض على الطرقات الخارجية وباعة الخردة عن نشاطاتهم بحجة افتقار أعمالهم للأنشطة الضريبية. التهرب الضريبي ظاهرة تعاني منها غالبية دول العالم، وفي كل مرة تجري ملاحقتها يستجيب المتهربون من خلال الهروب الكامل وإخراج كامل أموالهم…لا أعرف إذا ما كان هذا القانون سيجفف ما بقي لدينا من استثمارات ويدفع بأصحابها الى تركة الديار ومن سكنها، أم أنه سيرفع من حجم الجرائم بعد تجريم فقراء يطالبون بدفع نسبة من دخل لا يكفي أساسيات عيشهم.
د. صبري الربيحات