كتّاب

تحليل امني اسرائيلي

وفقا للتقرير الذي نشرته مجلة «اتلانتك» الاميركية، فان تل ابيب تتوقع ان تندلع مواجهات في القدس والضفة الغربية وغزة، خلال اول يومين، بعد الرابع عشر من ايار، يوم افتتاح السفارة الاميركية في القدس، ثم سوف ينشغل الفلسطينيون والعرب بشهر رمضان، وتهدأ موجة الغضب.
التقرير ذاته يتحدث عن خمسين الف جندي اسرائيلي في القدس، لتأمين موقع افتتاح السفارة، اضافة الى وجود تطمينات غير نهائية من السلطة الوطنية الفلسطينية بمحاولة منع انفلات ردود الفعل، في القدس تحديدا، دون طمأنة نهائية، كون الامور قد تنفلت، ولا يد للسلطة قادرة على منع ردود الفعل.
اللافت بالنسبة لي، الطريقة التي يفكر بها الاسرائيليون، وهي طريقة مردها الى خبرة مع العالمين العربي والاسلامي، اذ ان تل ابيب تضع في حساباتها ان موجة الغضب اذا حدثت لن تستمر اكثر من يومين، وسوف تهدأ بسبب رمضان، ويعود تفكير الجانب الاسرائيلي الى تجارب سابقة، خلال العقود الفائتة، كان العرب، عموما، يهبون غضبا، لعدة ايام، ثم سرعان ما ينسون القصة، وهذا تكرر في عشرات الحوادث الكبرى التي شهدناها، خلال عقود القضية الفلسطينية.
لكن بالتأكيد هذا التسريب، الذي تورطت به المجلة، له غاية وظيفية مقصودة، من جهة اخرى، اي اطفاء ردود الفعل مسبقا، واحباط كل من يخطط لاي امر، باعتبار ان سقف الغضب، مدته يومان فقط، وعبر التسريب يراد تذكير الغاضبين، انهم لن يجدوا احدا بعد اليومين الاولين، وعليهم بالتالي ان يختصروا كل غضبهم، ويستعدوا لطقوس رمضان.
ايا كان التقييم الاسرائيلي، فان تل ابيب تتناسى ان ملف القدس، يختلف عن بقية الملفات، والمقارنة قد لا تكون دقيقة، وقد شهدنا في ملف اغلاق المسجد الاقصى، جهدا فلسطينيا على المستوى الشعبي، تواصل لفترة طويلة، ولم يتعب الناس، ولم يتراجعوا، حتى تراجعت اسرائيل ذاتها.
لا تعرف لماذا يتوقع الاسرائيليون ان ينام الفلسطينيون في رمضان، ربما بسبب الصيام واثار الارهاق، لكنهم ينسون ان هناك بدائل كثيرة، وبالذات الذي يعيشون في القدس، يقولون ان القدس نهارا تحت سيطرة الاحتلال، لكنها ليلا تتحول الى مدينة تحت سيطرة فلسطينية كاملة، تمنع الاسرائيليين حتى من الخروج والتجول على راحتهم، بما يعني ان ردود الفعل التي تراهن اسرائيل على غيابها، لن تغيب حتى خلال رمضان، لا في نهاره، ولا في ليله الذي قد يتحول الى قصة كبرى، خصوصا، مع الصلاة في المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة، وتجمع عشرات الالاف في الحرم القدسي، للافطار وصلاة المغرب والعشاء والتراويح، وهذا يقول ان القدس على موعد مع ردود فعل تتحوط لها اسرائيل منذ هذه الايام، ولن تتمكن من اجل الغائها، ان تغلق الحرم القدسي، لانها ستغرق في ازمة اسوأ من ازمة السفارة الاميركية في القدس.
الامر الثاني الذي تتعامى عنه اسرائيل يتعلق بيوم افتتاح السفارة الاميركية في القدس، فلا احد يعرف ما الذي يمكن ان يحدث في المدينة في يوم الافتتاح، مهما بلغت التجهيزات الامنية، اذ يستحيل ان يمر اليوم، على طريقة التظاهر والتعبير عن الغضب، فقط، وقد تكون هناك مفاجآت كثيرة، خصوصا، ان تقديم الشعب الفلسطيني عبر التسريب الاسرائيلي لمجلة اتلانتك باعتباره سيغضب ليومين، ثم سيهدأ جراء شهر رمضان، مقارنة بظروف سابقة، تسريب له دور وظيفي، وقد لا يكون عميقا.
ما تسقطه اسرائيل من حساباتها، ولا تتمناه، ان تتوسع دائرة ردود الفعل، بما يتجاوز التظاهر الى غزة، وفلسطين المحتلة عام ثمانية واربعين، وكل ما تتمناه اسرائيل ان تثبت ان خطوة نقل السفارة كانت آمنة تماما، وهذا امر لا يمكن التكهن به، مهما قدم الاسرائيليون من ضمانات للاميركان، وهنا حصرا قد تكون كل القصة قائمة، على ان يثبت الجانب الاسرائيلي سيطرته على الامن، وقدرته على صون امن السفارة لاحقا، وهذه بحد ذاته قصة اخرى، وهنا التحدي الذي ستواجهه اسرائيل، دون ان ننكر هنا، ان هناك قنصلية اميركية موجودة اساسا في القدس، ولم تتعرض لاي حوادث خلال السنين الفائتة.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *