تستحق الاحترام والالتفات والتحليل، هذه الحركة المدنية الجديدة، العابرة للمحافظات والأحزاب والنقابات والمنظمات، التي لبّى نداءها، ابناؤنا وبناتنا -ابنتي رند منهن- استجابة لشعارات مطلبية اقتصادية محددة، دفاعا عن رؤيتهم وحقهم في رفض مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل.
لقد عبر ابناؤنا في عمان وفي مختلف المحافظات، بحرية مطلقة عن آرائهم ومواقفهم، بهتافات راشدة منضبطة، وبيافطات جميلة أنيقة، تعبر عن أناقة حامليها وذائقتهم الناضجة. وكانت تحفهم وتحميهم وتواكبهم قوات الأمن العام والدرك والدفاع المدني خوفا عليهم وليس خوفا منهم أو عداء لهم.
لست مهتما بالدخول في الجدل التقليدي العقيم حول عدد المواطنين الذين لبوا الدعوة وشاركوا في الإضراب، وهل هم بعشرات أو مئات الآلاف.
ان مشاركة عدد كبير من ابنائنا هي مشاركة تستحق الاحترام والاهتمام والمهم جدا هو تفهم هذه الظاهرة واحترام هذا الجيل الجديد من ابنائنا الراشدين.
على مركز القرار الوطني اخذ حركة شبابنا كمؤشر على احتقانات ليس مشروع قانون الضريبة إلا صاعقها ومحركها.
أبلغني مندوبو الدستور في المحافظات أن أكثر من نصف المشاركين في الإضراب هم من شبابنا العاطلين عن العمل، الذين لن تمسهم نيران قانون ضريبة الدخل الساري او المعدل.
ان ما يجري من احتجاجات شعبية موجهة إلى السياسات الاقتصادية المتلاحقة المتراكمة التي أدت إلى تجريف الدخول والرفاه وأدت إلى المزيد من الافقار.
وسيظل ما قارفه الفاسدون، السابقون والراهنون، و ما نهبوه، أحد عناصر ومسببات الضرر، ومثيرات الإحباط والاحتجاج، الذي نعاني منه أمر معاناة اليوم.
دولة الرئيس هاني الملقي، الراشد العاقل النزيه، لا يحتاج إلى من يفتح عينيه ولا الى من يدله، وسط هذا الوضوح الصعب القاهر، بين خيارات كلها علقم ودفلى وغيصلان.
لم تضع الحكومة تعديلاتها على قانون الضريبة «شطر بطر و من وساع». فلا توجد حكومة في كل الكرة الارضية تقدم على رفع الأسعار وزيادة الضرائب إلا وسيف الاختناق والإكراه مسلط فوق عنقها.
ونعود للتاكيد على ان الحرص على المصلحة العامة ليس وقفا على الحكومة ولا على النقابات ولا على منظمات بالمجتمع المدني بل هو حرص ممتد على كل الأطراف مع ملاحظة أن ثمة تضاربا بين المصلحة العامة ومصالح خاصة كما هو التضارب بين الضريبة والمتهربين من أدائها.
كل ذلك يقتضي أن ينعقد الحوار الوطني بين الحكومة ومجلس الامة وارباب العمل وقوى الانتاج والنقابات العمالية والمهنية التي تقود حركة الاحتجاج وتوجهها وهي بالطبع نقاباتنا الوطنية الراشدة الموثوقة.
نحن في حالة استعصاء ودخلنا مأزقا لا ينفع للخروج منه التنمر والاستقواء والمكابرة.
نحن في خندق واحد وامامنا تحديات خانقة قاهرة لا يمكن مواجهتها وعبورها إلا بالصفوف المرصوصة وبالثقة المتبادلة بين كل مكونات مملكتنا خلف قيادة ملكنا الغالي الحبيب.
محمد داودية