بكل المقاييس؛ توقيت قرار رفع أسعار المحروقات يحمل قدرا كبيرا من السذاجة السياسية ويفتقد إلى استشعار معناه وانعكاسه السياسي والاجتماعي، وقد رأينا نتائجه مباشرة على مزاج الناس، ربما لنتعلم درسا أن الأوطان لا تدار بآلة حاسبة بل بقلوب وعقول ووجدان.
المهم، ونتيجة لهذا القرار السطحي الذي لا يدرك من اتخذه مخاطره، راح البلد لزاوية خطيرة ومقلقة، ولذلك تبدو العظة مهمة في هذه الفترة الحساسة.
النصيحة لكل مسؤول سواء كان محاسبا، ماليا، أو اقتصاديا، لا تديروا الوطن بآلة حاسبة فهي لا تحسب حجم وجع الناس وغضبهم، بل اجتهدوا وابحثوا عن حلول مفيدة تنفع البلد، وهذا مدعاة لخروج الحكومات من دائرة الكسل السياسي والاقتصادي.
العقلية التي تدار بها جميع الأمور لم تعد صالحة في ظل الحالة العامة المتوترة، فالموقف اليوم أخطر مما يظنون، ومن واجبهم أن يرتبوا البيت ويوحدوا الجبهة الداخلية لتجاوز هذه المحنة ولإقناع الناس بأن الجميع شركاء في كلف القرارات، وليس من المنطق أن يكون الحل دائما على حساب الناس وجيوبهم.
الخروج من الأزمة وطيها يحتاج إلى عقلية بأفق واسع وناضج لسحب فتيل التوتر، ولكي نعيد الأردنيين إلى بيوتهم أولا، ونمنحهم الأمل بالمستقبل ثانيا بعد تجاوز هذه الموجة العالية.
مفتاح الحل حتى هذه اللحظة يتمثل بسحب قانون الضريبة، والاستمرار بالحوار بين النقابات والنواب. لكن السؤال اليوم: هل نملك ترف الوقت إن طال أمد الحوار وبقي الناس متظاهرين محتجين على الحكومة؟!
الحكومة تتعامل بفوقية، تتصلب وتصر على عدم سحب القانون، وتتحجج بأن النتائج كارثية، وتخلي مسؤوليتها عن كل ما سيأتي، وفي الوقت ذاته تعدم الحلول الأخرى، وهذا بصراحة موقف خال من الوطنية والحرص على الأردن، وله أبعاده الشخصية أولا، وعدم القدرة على استنباط الحلول ثانيا، فالحجج التي تساق غير دقيقة، وإن توافرت النوايا الصادقة فكل شيء قابل للإنجاز والتحقيق.
ما يهم هو الأردن؛ أمنه واستقراره، فالحكومات ترحل وتأتي، والأهم هو تحصين البلد، ما يرتب أدوارا مفصلية على جميع الأطراف الفاعلة في المشهد.
على الحكومة أن تتوقف عن لعب دور المنظر المتعالي، وأن تكف عن المزاودة على الناس بحرصها على المصلحة العامة والتخويف من مخاطر تراجعها عن قراراتها السطحية غير المدروسة، وبدلا من ذلك البحث عن بدائل، والعمل على ضبط النفقات بمقدار الأموال التي تجنيها من القانون المشؤوم.
وعليها أن تقدم شرحا لصندوق النقد الدولي بذلك، وتتعهد بوضع قانون جديد للضريبة عقب إجراء حوار وطني حوله يقر في الدورة العادية للنواب في تشرين الأول (أكتوبر)، ويدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل.
الطرف الثاني، صندوق النقد وبعثته التي كانت في الأردن وشهدت الحراك الشعبي ضد القانون، فهي تدرك جيدا أن الحكومة جادة في وضع قانون جديد، لكن التطورات الأخيرة وقسوتها قد تضطرها لغير ذلك، ما يحتم عليه أن يعطي هامشا للأردن ويفهم الحالة ومخاطرها بدلا من معاقبته، وأن يساعد المملكة في وضع أفكار أخرى لتحقيق المؤشرات المالية والنقدية. المعلومات تؤكد أن البعثة غادرت المملكة راضية عن أداء الحكومة، ويفترض أن تعلن ذلك في بيان صحفي قريبا.
الطرف الثالث هو المجتمع والمحتجون، وهم أيضا عليهم مسؤولية كبيرة، فحق التعبير مصان بالدستور، لكن الأوطان تصان بالقلوب والوجدان، لذا علينا جميعنا أن نتحلى بالصبر وطول البال وضبط النفس حتى تنجلي هذه الغمة ونتجاوزها تماما كما كان يحدث على الدوام.
دعونا نتفق على أن الحكومات ومجالس النواب ترحل ويأتي غيرها، لكن الثابت الوحيد هو الوطن، نختلف على كل شيء ونتفق على الأردن، وبعد ذلك وقبله من حقنا رفض سياسات الحكومة ونهجها والاحتجاج ضدها.
وأهم من ذلك كله أن يقتنع الجميع أن تغيير النهج بات ضرورة، وأن عقلية الإنكار والانفصال عن الواقع لم تعد تجدي، وأن الآلة الحاسبة لا تنفع لإدارة الأوطان.
جمانة غنيمات