عند كل حدث مفصلي في مسيرة بلدنا، ندرك أن الأردن حالة مختلفة، وأنه بكل اختلافاته وتنويعاته يرسم مشهدا حضاريا ينبغي لنا أن نفخر به، وهذا الأمر لم يأت من فراغ بل ترسمه القيادة والشعب من خلال الطريقة التي تدار فيها كل الأزمات، حتى لو كانت تحديات كبيرة جدا مثل الأزمة التي عشناها خلال الأيام الماضية.
لقاء الملك بالإعلاميين أمس كان مختلفا جدا، فقد تحدث بلسان الأردنيين وهو يستعرض هواجسهم وقلقهم، وكذلك غضبهم نتيجة تعقيدات الحالة الاقتصادية، وأكثر من ذلك عبّر عن فخره بالحالة الوطنية التي تجلت في الشوارع والساحات الأردنية، وبشعبه الذي مارس حقه في الاحتجاج بطريقة حضارية راقية، وأن الشباب الأردني الواعي نزل للشارع تعبيرا عن حاجة، وبحثا عن أمل.
الملك انحاز للناس وطموحاتهم، وتفهم عدم رضاهم عن السياسات العامة، وقدم تقديرا للموقف يختلف كثيرا عما نسمعه من مسؤولين حكوميين، وشخص الحالة الوطنية والمشهد المحلي بشكل دقيق وحكيم. يقول الملك إن ما حصل مؤخرا بمثابة صدمة وإنذار حتى نتنبه للمشكلات ونحلها قبل أن تتفاقم، وأن نتحضر للمستقبل. ويقدم تصورا شاملا يتقاطع كثيرا مع أحاديث الناس والمجتمع، فيقترب، بحديثه، من هموم الناس، ويشدد على ضرورة إيجاد الحلول لها.
حين تسمع الكلام الملكي، تدرك عندها أن ثمة حكمة كبيرة هي التي أدارت الأحداث مؤخرا، لتخرج بحالة نفخر بها جميعنا، ومنعت انزلاق الأردن إلى منعطفات لا نحب التفكير فيها وفي عواقبها الوخيمة.
حتى أخطاء الحكومة وبعض المسؤولين في إدارة ملف الإصلاح المالي عرج عليها، كما أن الملك يؤكد أن المشكلة كبيرة ولن تحل برحيل حكومة وقدوم أخرى، ولكن تجاوزها يتطلب حوارا يشترك فيه الأردنيون للوصول لتوافق.
في استعراضه لحالة البلاد، عاد الملك إلى الماضي حيث بدأت المشاكل بانقطاع الغاز المصري، وللمشهد الإقليمي الغارق بالصراعات والحروب والاستقطابات، وغيرها من الظروف التي عمقت مشاكل الاقتصاد، ثم شرح الحاضر بتجلياته ومشاكله، ورسم صورة لحل المشكلات من أجل مستقبل أفضل للأجيال.
يشتمل حديث الملك على كثير من الحكمة والفهم العميق للتحول الحاصل في المجتمع الأردني، وتحديدا لدى الشباب، وتقدير لما يجري بدقة ووضوح، ليعبر بالتالي عن فخره بالحالة الأردنية التي انفردت عن غيرها.
احتجاجات الأيام الماضية مسألة ينظر لها الملك بفخر كبير، لأنها نسجت حالة وطنية فريدة، مع تأكيده أن 99 % ممن خرجوا للشارع كانوا حريصين على الأردن وقلبهم على مصلحة وطنهم، مجددا القول إنه ليس من العدل أن يحمل المواطن الأردني وحده عبء الإصلاح المالي والاقتصادي.
حتى العمل لأجل المستقبل والمضي له بثبات يرى جلالته أنه يحتاج لنهج جديد في إدارة البلد؛ سياسيا واقتصاديا، يقوم أولا على الحوار والتواصل والعمل الجاد لمسؤولين بدون تراخ لخدمة الأردنيين، فقط، وليس أي شيء آخر.
الرسالة التي قدمها الملك في لقائه بالإعلاميين تصلح أن تكون عنوانا لبرنامج وطني تحمله الحكومات وتمضي لتنفيذه، فهو ينطلق من تفهم للشارع واحتقانه، ومدرك لاحتياجاته، ويمتلك مفتاح التعامل معه من خلال وضع خطة للعمل، ووجود حوار وطني حول مختلف القضايا والمشاكل، وجعل الناس شركاء، وتحديدا الشباب، في صناعة الحاضر وبناء المستقبل.
رغم التحديات العديدة المفروضة اليوم على البلد، يؤمن الملك بقدرة الأردن على تجاوز الأزمات بوعي ناسه، وقدرة مسؤوليه على تحمل النتائج، وتغيير العقلية الكلاسيكية في إدارة الدول.
هذه هي رسالة الملك اليوم، وعلى الحكومة المقبلة أن تلتقط هذه الرسالة وتتبناها كبرنامج عمل، وأن تتعلم الدرس مما مضى، وأن تفهم أن دورها خدمة الأردنيين وحماية حاضرهم وضمان مستقبلهم.
جمانة غنيمات