بالتزامن مع حالة التأهب العسكري في الجنوب السوري، تواصل الدبلوماسية نشاطها في محاولة لضبط التصعيد العسكري وحسم الأمور بالوسائل السياسية بدلا من العسكرية.
ليس ثمة خلافات جوهرية على الهدف النهائي لهذا الحراك، وهو استعادة الجيش السوري لسيطرته على المناطق الحدودية مع الأردن وصولا للحدود مع الجولان المحتل.
في الأسابيع القليلة الماضية، أنجزت الأطراف المعنية ما يمكن وصفه باتفاق أولي يقضي بإبعاد القوات المحسوبة على إيران مسافة 40 كيلومترا عن الحدود الجنوبية، وتسريع جهود المصالحة بين القوى المتنفذة في درعا والحكومة السورية، لتأمين عودة السلطة الشرعية للجنوب بدون معارك عسكرية. ورغم ما تحقق من إنجازات على هذا الصعيد، إلا أن هناك من يسعى لتعطيل المصالحة واغتيال رسلها.
الجيش السوري حشد قواته على محاور المواجهة، ونفذ عمليات تكتيكية في ريف درعا، لكنه لم يتلق بعد الإشارة بشن هجوم عسكري واسع في الجنوب.
القرار النهائي بهذا الخصوص مرتبط بتفاهمات لا بد منها مع الجانب الروسي، الذي وقع من قبل اتفاقا لخفض التصعيد في الجنوب مع الأردن والولايات المتحدة الأميركية. موسكو لا تريد فض الاتفاق من طرف واحد، بل تسعى لتفاهم تقبل فيه الأطراف المعنية بالجنوب السوري؛ الأردن وأميركا وإسرائيل، حتى لا تقع مفاجآت خارج الحسابات، لعل أخطرها تدخل عسكري إسرائيلي بدعم أميركي أكيد.
الأردن على يقين تام بأن السيادة في الجنوب السوري ينبغي أن تؤول للجيش السوري وحده. ويفضل أن تتم العملية بشكل مدروس ومنظم يجنب المناطق الحدودية مشاكل إضافية، وتبعات موجات لجوء جديدة.
المقاربة الأردنية الأحدث على الصعيد السوري، تقوم على فكرة جوهرية تنطلق أساسا من حسابات المصلحة الأردنية، ومفادها فك الارتباط بين الوضع في الجنوب السوري والأزمة السورية برمتها.
ما يقوله الأردن باختصار، إن حل الأزمة السورية قد يتطلب سنوات طويلة، وثمة دول كثيرة غير الأردن يمكن أن تتعايش مع وضعية الأزمة لزمن طويل، لكن الأردن ولاعتبارات متعددة لا يستطيع ذلك، ومصلحته تقتضي العمل على حلحلة المشكلة في الجنوب السوري لتخفيف الأعباء الأمنية والاقتصادية عليه.
ولهذا السبب يدعم الأردن خيار المصالحات في الجنوب ويعول عليه، حتى لو طال أمده، بتحقيق الأهداف المرجوة.
وفي السياق ذاته يشترط الأردن عملا منسقا ومتزامنا لتفكيك مخيم الركبان للاجئين السوريين الذي تحول لبؤرة للإرهابيين، وإعادة ساكنيه إلى بلداتهم الأصلية التي استقرت أوضاعها الأمنية. كما يصر الأردن على ضرورة تسلم قوات الجيش السوري السيطرة على المناطق الحدودية في التنف فور انسحاب القوات الأميركية.
لقد أجريت مناقشات مستفيضة حول هذه المسائل بين الجانبين الأردني والروسي، نجم عنها توافق كامل حول جميع النقاط، ومن المفترض أن تكون الأطراف الأخرى المعنية قد اطلعت عليها وأبدت رأيها.
واشنطن أقرب ما تكون إلى القبول بهذه الترتيبات، وإن لم تقل موقفها هذا بلسان صريح، أما إسرائيل فقد أيدت وعلى لسان أكثر من مسؤول في حكومة نتنياهو خطة الترتيبات الجديدة في الجنوب ما دامت تضمن إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدودها، تاركة باب المعركة مع إيران في سورية مفتوحا على مصراعيه.
الأيام المقبلة حاسمة لجهة التوصل لتسوية سياسية في الجنوب السوري أو مواجهة عسكرية، تسعى مختلف الأطراف لتفاديها.
فهد الخيطان