سبع سنوات كاملة مرت على نشوء القضية التي أصبح اسمها “حدودنا الشمالية” مع الشقيقة سورية، مع الانتباه إلى أن كلمة “الشقيقة” تستخدم بدلالات متنوعة عند شتى الأطراف.
منذ الأشهر الأولى للأزمة ثم الحرب في سورية، تشكل لدينا في الأردن، موقفان شعبيان، معارضان للموقف الرسمي، ولكنهما متعارضان متخاصمان تجاه سورية وتجاه قضية الحدود الشمالية.
الموقف الشعبي الأول نظر إلى ما يجري في سورية باعتباره “ثورة” شعبية تستحق الدعم والتأييد، وقد تمثل هذا الموقف (سياسياً) بشكل رئيسي بإسلاميين (إخوان وغير إخوان) وبفريق من الليبراليين واليساريين والقوميين بل والبعثيون من أنصار العراق، وببعض خصوم النظام السوري المواظبين على الخصومة لأسباب متعددة تعود إلى ثارات سياسية تنظيمية قديمة. وبالطبع كان لهذا الموقف دعم شعبي واسع.
أما الموقف الشعبي الثاني، فقد نظر إلى ما يجري في سورية باعتباره حربا ومؤامرة على البلد والنظام وعلى مواقفه وخاصة تجاه العدو، وقد مثله سياسيا فريق من اليساريين والقوميين وفريق من العلمانيين من خصوم الإسلاميين والتكفيريين، ورأوا ضرورة دعم الدولة السورية ونظامها وجيشها. ويمكن القول إن هذا التيار حظي بدعم أقل شعبيا من الفريق الأول، وخاصة في السنوات الأولى.
لاحظوا حجم التداخل في مكونات كل فريق، فقد انقسم التيار الواحد (اليساري والقومي خاصة) إلى موقفين متناقضين، وقد كان الإسلاميون أقل انقساماً، ربما بسبب اعتمادهم على العامل المذهبي في الصراع.
وهناك بالمقابل، الموقف الرسمي الأردني الذي اشتق لنفسه عنوانا وطنيا أردنيا، ومثلته أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والسياسية. فقد كان يتعامل مع الحدود ومع خارج الحدود، بعيون مفتوحة على الداخل الوطني الأردني، وفق تعريفه لما هو وطني، ووفق المعطيات والممكنات. وبالطبع حظي هذا الموقف الرسمي بدعم شعبي واسع في الأوساط غير المسيسة، وإن بشكل غير منظم (باستثناء الحالات والأحداث التي استهدفتها الأجهزة وأبدت فيها قدرات تنظيمية ممتازة)، كما حظي بدعم مؤقت بحسب الحدث والحالة، من قبل أنصار كل من الفريقين المعارضين المشار إليهما أعلاه، ذلك أن كل فريق من المعارضة كان يرحب بالموقف الرسمي الأردني عندما يكون في غير صالح خصمه المعارض الآخر.
كان كل فريق من “المعارضتين” يضغط على الموقف الرسمي، فالفريق الأول يريد من الحكومة أن تفتح وتسهل وتشارك “الثوار” وتقاتل معهم وأن تلتحق بالموقف الخليجي والتركي… إلخ. بينما يطالب الفريق الثاني ويتمنى لو أن الدولة تضع يدها بالكامل مع الحكم في سورية وتنضم نهائيا في القتال إلى جانب الجيش السوري.
أرجو المعذرة؛ إذ يبدو لي في هذه اللحظة من الكتابة، أنني تورطت في موضوع يحتاج للكثير من الشرح والتوضيح، ومع هذا سأغامر بقدر من سوء الفهم (الذي أتحمل مسؤوليته بالكامل وحدي من دون القراء)، لكي أختصر بما يلي:
إن المعارضة بفريقيها لم تكن تحمل حساسية وطنية تجاه مسألة الحدود، وكل منهما يريد لهذه الحدود أن تخدم موقفه. وبالطبع أنا أدرك أن كل فريق لديه فهمه الخاص لما هو وطني ولما هو مصلحة وطنية، ولكن هذا لا يكفي، وقد دلت عقود طويلة من السيرة السياسية للحدود على ذلك.
مع كل الملاحظات على ما في الموقف الرسمي من حالات ضعف وأخطاء وعدم سيطرة ورضوخ هنا أو هناك، مما يمكن فهمه أو عدم فهمه، جزئيا أو كليا، غير أن سبع سنوات للآن تثبت أن الدولة (سياسيا وعسكريا) كانت الأكثر تمثيلا للموقف الوطني على الحدود، فهي أغلقتها وفتحتها أو جعلتها مواربة لهذه الجهة أو تلك (بما فيها الدولة السورية)، وفق معادلة كانت في غاية الصعوبة لكنها مكنت دولتنا من التعاطي مع ميدان حرب عالمية فعلاً على بلد جار، ولكننا لا نسيطر ولا نتحكم بعناصرها الرئيسية ولا الفرعية. وأي خيار آخر، كان يمكن أن يفتح علينا مسارات لا يوجد ما يضمن أنها تشكل مصلحة وطنية لنا.
(ملاحظة أخيرة: لكي لا يعتقد قارئ أني أتجنب ذكر موقفي، أنا من أنصار الدولة السورية وسعيد بانتصارها واستعادة أرضها ودحر أعدائها، ولكني أمرّن نفسي على النظر بعيون وطنية أردنية).
احمد ابو خليل