كتّاب

وزراء أم قرابين للرأي العام

مع احترامي لكل الذين يشنون الحملات ضد الوزراء وتقاعدهم، فإنهم بحسن نية، او سوء نية، يحرفون مشاكل الاردن، عن مسربها الاساس، ويحصرونها براتب الوزير التقاعدي.
القانون الحالي يسمح للوزير ان يحصل على راتب تقاعدي حتى لو خدم شهرا في الحكومة، والحكومة الحالية تريد تغيير القانون بحيث لا يحصل الوزير على الراتب التقاعدي، الا بعد خدمة سبع سنوات، في دلالة على حسن ادارتها للمال العام. يجد هذا التوجه قبولا كبيرا، بين الناس، على الرغم من انه في الاساس، لم يكن هو مشكلة الاردن، لكننا امام مشهد تمتلئ فيه الصدور بالغضب، ويراد تقديم قرابين لاسكات الرأي العام في الاردن.
لابد ان يقال هنا، ان تركيز مشاكل الاردن، على رواتب الوزراء المتقاعدين، تركيز سطحي، لان هناك مشاكل اكبر بكثير، وفي مرات تتم تغطية هذه المشاكل، بحملات ضد الوزراء المتقاعدين.
المشاكل الاكبر، تتعلق بملفات الفساد المقدرة بالمليارات، وادارة المنح المالية التي دخلت الى الاقتصاد الاردني خلال آخر عقدين، او اكثر، وتقدر بعشرات المليارات، وادارة الثروات والموارد، والتي تقدر ايضا بعشرات المليارات، وما يتعلق بالعقود والرواتب المرتفعة للخبراء والاستشاريين.
يمكن هنا تعداد عشرات الاولويات التي لابد من معالجتها، قبل الحديث عن رواتب الوزراء التقاعدية، لكنهم هنا حصرا، على ما فيهم من خير وشر، يتعرضون للحملات كل موسم، باعتبارهم يستنزفون الاردن ماليا، ولا احد يقول لك الحقيقة، عن اسباب الاستنزاف الاساسية.
يقال هذا الكلام، حتى لا نبقى ندور حول انفسنا، اذ اننا منذ سنوات، نتحدث عن رواتب النواب والاعيان والوزراء، تارة نلغي التقاعدات، تارة نعيدها، تارة نضع سقفا زمنيا، تارة بلا سقف زمني، وهكذا نعيد انتاج الازمات، دون ان نذهب الى معالجات حقيقية لاصل هذه الازمات.
لم تكن هذه الرواتب التقاعدية، مشكلة يوما، في قيمتها الاجمالية، لو كانت بقية المسارب تعمل بشكل طبيعي، من محاربة الفساد، الى صون المال العام، مرورا بانفاق مالي عاقل على كل المستويات، وتوظيف المساعدات والمنح لمصلحة الناس، ولما وجدنا احدا يعترض على الراتب التقاعدي للوزير.
هذه ليست مرافعة دفاع عن الوزراء، لكنها اعادة تذكير بالاولويات، حتى لا تصير كل القصة، عند الحكومة الحالية، مجرد بحث عن قرابين لتقديمها للرأي العام، لاسكاته، امام حالة الغضب والتذمر والشكوى، وهذا ما نريد قوله، حصرا وتحديدا.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *