ما دار من نقاش أول من أمس في مجلس النواب حول اتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل مع قرب انتهاء الفترة الزمنية، هو على الأرجح مجرد استهلال لجدل وطني أوسع.
وزير الخارجية أيمن الصفدي رد على سؤال للنائب إبراهيم أبو العز حول الموضوع عرض فيه الوضع القانوني للمنطقتين، مؤكدا أن الحكومة ستتخذ القرار بما يحقق المصالح الأردنية “وسنطلع مجلس النواب حين اتخاذ القرار” إما بتجديد اتفاقية التأجير أو انهائها.
الجدل لن يتوقف عند هذا الحد، ففي قادم الأيام ستقفز القضية إلى صدارة النقاش العام، لتتحول إلى ملف وطني ضاغط، نظرا لارتباط الموضوع بإسرائيل.
الحكومة على ما تؤكد مصادرها أعدت ملفا متكاملا يحيط بالقضية من كل جوانبها، ويعرض السيناريوهات المقترحة للتعامل مع الاتفاقية في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد.
لكنّ جانبا مهما من النقاش يتركز حول موضوع استملاك يهود لأراضٍ في الباقورة الخاضعة حكما للسيادة الأردنية. وقد ارتفعت أصوات مبكرة تطالب بتجريد هؤلاء من ملكيتهم ردا على احتلال إسرائيل لأراضي الضفة الغربية التي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، إضافة إلى أملاك الأردنيين في القدس ومدن الضفة.
الحكومة لا تحسد على موقفها، فهي أمام وضع قانوني مفروض عليها منذ 84 عاما، ففي1926 منحت سلطات الانتداب البريطاني شركة كهرباء فلسطين التي يملكها رجل اعمال يهودي من قادة الحركة الصهيونية”لبنحاس روتنبرغ” حق امتياز توليد الكهرباء من مياه نهري الأردن واليرموك.
وفي دراسة محكمة نشرها موقع”حبر” يشرح الباحث شاكر جرار ظروف وملابسات ماجرى في ذلك الوقت. ففي عهد حكومة حسن خالد أبو الهدى الثانية أقر المجلس التنفيذي سنة 1928 الامتياز ومدته 70 سنة. وتم بالفعل بيع ستة آلاف دونم للشركة في شهر حزيران من العام نفسه كما يوثق جرار في دراسته.
لكن استنادا لنفس الدراسة اشترطت الحكومة الأردنية على الشركة أن تأخذ حاجتها من الأراضي التي لاتزيد حسب التقديرات عن 75 دونما وتعيد ما تبقى للأردن ولا يحق لها التنازل عن هذه الأراضي لطرف ثالث.
واجه المشروع معارضة واسعة في الأردن واتهم نواب في المجلس التشريعي الحكومة بقبض رشوة من الشركة.
بعد نكبة فلسطين بعامين احتلت إسرائيل مساحة إضافية من أراضي الباقورة، وانتهت ملكية شركة كهرباء فلسطين بيد مالكين يهود في مخالفة صريحة لاتفاقية الامتياز الممنوحة للشركة.
وتشير دراسة الباحث جرار إلى كلمة وزير الدفاع الأردني في سنة 1950 وهو بالمناسبة المرحوم فوزي الملقي الذي ترأس الحكومة فيما بعد ووالد رئيس الوزراء الحالي هاني الملقي.
الملقي”الأب” قال في كلمته أمام البرلمان “هذه الأرض أرض أردنية صميمة بموجب الحدود الرسمية والاتفاقيات الدولية” وأبلغ الملقي النواب عزم الحكومة “دفع الاعتداء اليهودي بالقوة”.
جرت الرياح بمالا تشتهي سفن المرحوم الملقي، وانتقل الملف لمجلس الأمن دون أن يحظى بأي اهتمام، ومضت الاحداث بالتسلسل المعروف إلى أن وصلنا لمعاهدة وادي عربة وما ترتب عليها من تفاهمات وملاحق شملت أراضي الباقورة والغمر إلى جانب قضايا أخرى.
المهم ان الإطار القانوني لمعاهدة السلام مع إسرائيل يمنح الأردن الحق في استعادة السيادة عليها.
تشاء الصدف أن يكون الملقي”الابن” في مواجهة نفس الملف الذي تعامل معه والده قبل 68 عاما، فهل يمضي الابن على طريق الأب ويصر على استعادة السيادة الأردنية؟
فهد الخيطان