طرح عليّ السياسي والمفكر عدنان أبو عودة سؤالاً مهماً، بل هو أقرب إلى مفتاح في محاولة فهم ديناميكية الأحداث في سورية، والمقاربات الدولية لمستقبلها ومستقبل المنطقة بأسرها، في ضوء التسويات المتتالية التي تتم في المناطق التي يخرج منها المقاتلون، ثمّ يتم إرسالهم مع عائلاتهم ومع السكّان المدنيين إلى محافظة إدلب، وسؤال أبو عودة هو: لماذا إدلب؟
هو سؤال يتفرع عنه أسئلة فرعية أخرى تستبطن فرضيات متعددة، منها: هل ذلك مرتبط بخريطة مستقبلية لسورية؟ وإذا كان هنالك تصوّر إسرائيلي- صهيوني لتمزيق الدول العربية المحيطة وإضعافها، فهل هنالك مصلحة للروس بالتماهي مع هذا المخطط؟ وهي أسئلة تستبطن إنشاء ولاية سنيّة في تلك المنطقة، وتتوازى مع مخططات “الهندسة الديمغرافية” الجارية حالياً هناك.
وإذا ذهبنا باتجاه آخر في الأسئلة والفرضيات، بأن يكون ذلك باتجاه إلقاء الكرة في ملعب المجتمع الدولي، عبر تجميع المعارضة المسلّحة، في تلك المنطقة، وخلط الحابل بالنابل، وإلقاء الكرة في ملعب الأتراك، فما هي مصلحة تركيا والأميركيين بقبول نتائج هذه التسويات وتعقيد الأوضاع في تلك المنطقة؟
أسئلة مهمة جداً، وتحتاج إلى تفكير وتحليل، واختبار لتلك الفرضيات، ولا تقف الأجوبة عنها عند حدود إدلب، بل تمتد لصورة سورية في المستقبل، والصراع في الشرق الأوسط، وبالضرورة نحن في الأردن معنيون جداً بهذا السؤال.
وفي محاولة لإثارة العصف الفكري حول السؤال والفرضيات الممكنة في الجواب عليه، توجّهت بذلك إلى صديقي الباحث والمثقف السياسي السوري المعارض، د. عبد الرحمن الحاج، فكان جوابه الذي أنقله إليكم كالتالي:
هنالك عدد من الأسباب وليس سببا واحدا:
أولاً- من حيث المبدأ الحديث عن التقسيم لا أحد يأخذه بجدية في المرحلة الراهنة، النظام يهدف للسيطرة على جميع اجزاء سورية، والمعارضة تريد سورية موحدة. فقط الأكراد هم من يرغبون بإقامة دولة مستقلة، فيما ما يزال موضوع التقسيم هاجساً لدى القوميين العرب، لكن على أرض الواقع لا توجد مصلحة لا للنظام ولا للمعارضة السياسية بالتقسيم.
ثانياً- هو تعقيد الوضع على الأتراك (ويقصد الصديق الحاجّ بأنّ ملف إدلب هو ضمن المفاوضات الدولية والإقليمية أصبح ملفاً تركيّاً، بمعنى أن تركيا هي التي تتعامل معه، وبالتالي إرسال المعارضات المسلّحة، وتعزيز التناقضات داخل المحافظة بين الاتجاهات الأيديولوجية المختلفة، مع هيئة تحرير الشام- النصرة سابقاً- التي تسيطر على المحافظة، والتناقض أيضاً مع المجتمع المحلي، كل ذلك بمثابة نقل الكرة الملتهبة إلى أحضان الأتراك، وتخلّص النظام من مشكلة التعامل مع التيارات الإسلامية المسلحة، ثم تحميل مسؤولية ذلك إلى المجتمع الدولي).
ثالثاً- دمج الارهابيين بالمعارضة المعتدلة وايجاد المبررات الكافية لسحقها (الروس اعلنوا ان استراتيجيتهم هي انهاء النصرة نهاية عام 2018).
رابعاً- أنّ إدلب هي المكان الوحيد المتاح للتسويات العسكرية اليوم، فشرق الفرات هنالك الأكراد وتنظيم داعش، وفي الجنوب هنالك البعد الإسرائيلي، والدور الأميركي- الأردني بوضع درعا في حالة استثنائية، فلا يبقى أمام الخارجين من المناطق التي يسيطر عليها النظام إلاّ محافظة إدلب. في المنطقة ما وراء النهر كان داعش والاكراد (حلفاء مفترضين) والجنوب في إسرائيل واتفاق اميركي واردني فلم يبقَ غير الشمال فعليا.
خامساً- أنّ إتاحة الفرصة للنجاة لدى كثير من المقاتلين والأهالي، يسرّع عملية استسلام تلك المناطق التي يسيطر عليها النظام، ويساعد على عملية التطهير والتنظيف Clean Up، ما يضمن خضوع مناطق كاملة للنظام.
هذا جواب الحاج، وبالتأكيد هو لفتح مزيد من النقاش والحوار عن الموضوع، عن الأجندات الدولية والإقليمية والمحلية لمستقبل سورية؟
د. محمد ابو رمان