اخبار الاردن – قبل أن يتسلم أول ولاية رئاسية له؛ ومنذ كان رئيساً لبلدية إسطنبول وبعدها رئيساً للحكومة، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظره وحزبه بعيداً نحو المستقبل، متجاوزاً أكثر من نصف قرن من الزمان في التخطيط لبلاده.
فقد كشف أردوغان عن مخططاته الإستراتيجية لـ “تركيا الجديدة”؛ ورسم خطوطاً عريضة لها تمثلت في هذا الرقم (2071)، يتمثّل في تحويل الأحلام إلى واقع عملي، ينهض بتركيا عالمياً.
واللافت في الأمر أنه منذ استلام أردوغان مناصب قيادية في الدولة، تؤهله لتنفيذ رؤى حزبه المستقبلية، وحتى فوزه بولاية رئاسية وفق التعديلات الدستورية الجديدة (2018)، يواصل السير على ما وضعه من خطط، رغم العقبات والمفاجآت والمؤامرات التي يتعرض لها، والتي أقر بها في أكثر من مناسبة، كان أشهرها الانقلاب العسكري الفاشل ضده.
ما كان يتطلع له أردوغان في خططه السابقة والتي كشف عنها في خطاباته العلنية؛ تحقق واقعاً. ولعل من أبرز ذلك سعيه للوصول إلى الرئاسة وقد نالها أكثر من مرة، وتطلع إلى إعلان الجمهورية الثانية في تركيا بتغيير شكل النظام إلى رئاسي وقد حقق ذلك بإرادة شعبية وعبر إجراء استفتاء.
2023 .. أبعد من “لوزان”
والحديث عن تركيا ومستقبلها يفتح بلا شك الحديث عن قرب انتهاء “معاهدة لوزان” في عام 2023، والتي وقعتها تركيا مع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، عام 1923 بسويسرا.
إذ تأخذ هذه النقاشات، التي تدور في مختلف الأوساط وعلى مستويات من الأكاديميين والخبراء والمحللين السياسيين وحتى المواطنين العاديين، قسطاً كبيراً من التحليل والتخمين، بل ومحاولة بناء صورة مستقبلة لتركيا ما بعد 2023 .
إلا أن التحليلات المتداولة بشكل واسع، تشير إلى أنه سيكون بإمكان تركيا بعد انتهاء مدة المعاهدة، التنقيب عن النفط، وتنضم إلى قائمة الدول المنتجة للنفط، إلى جانب تحصيل رسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والتي كانت محظورة على تركيا من قبل، بحسب ما يجري تداوله.
لكن اللافت للانتباه أن هذه الاتفاقية ليس لها موعد مكتوب لانتهائها، كما أنها لا تتضمن ما ذكر عن منع تركيا من التنقيب عن النفط، وذلك وفق تأكيدات محللين أتراك وآخرين عرب تعمقوا في البحث بالموضوع.
أما عن سبب ذكر تركيا الرسمية عن خطتها الإستراتيجية في 2023؛ فإن الأمر يعود كما يؤكده محللون أتراك إلى أن ذلك يصادف الذكرى المئوية إعلان الجمهورية التركية.
ومع ذلك؛ فإن عام 2023، هو التاريخ الذي حدّده أردوغان لتصبح تركيا فيه من بين القوى الرئيسية في العالم اقتصادياً وسياسياً، إلى جانب العمل على تعزيز الصناعات الوطنية، لا سيما العسكرية والتقنية المتقدمة.
فقد قفز أردوغان خلال فترة حكمه بتركيا قفزة كبيرة من المركز الاقتصادي 111 إلى 16 بمعدل عشر درجات سنويا، مما يعني دخوله إلى نادي مجموعة العشرين الأقوياء الكبار في العالم. في حين يشير المختصون إلى أنه بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة فإن ذلك سيعطي دفعة قوية للاقتصاد للمرحلة المقبلة.
حتى 2071.. جيل يسلم آخر
“نحن نسير على خطى أجدادنا الفاتحين من أمثال “السلطان ألب أرسلان” و”السلطان محمد الفاتح” وعلى خطى قادتنا العظماء أمثال “مصطفى كمال أتاتورك” و”عدنان مندرس” و”تورغوت أوزال” و”نجم الدين أربكان”.
خطاب الرئيس التركي للشباب في حزب العدالة والتنمية في في عام 2012، في إشارة واضحة إلى الذي يطمح إليه أردوغان، إذ إنه يسعى إلى تطوير تركيا عبر أخذ نجاحات كل قائد من قادة تركيا على مر التاريخ، أملاً في تحقيق تركيا الكبيرة في تأثيرها وقوتها على مستوى العالم.
أردوغان عاهد الشباب في حزبه على المضي هو في مشروع عام 2023 وتحقيق الوعود التي أطلقها قبل الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية، لكن مفاجأته لهم كانت حين دعاهم للاستعداد بدورهم لإحياء ذكرى ألفية حرب “ملاذكرد” التي خاضها ألب أصلان عام 1071 ضد البيزنطيين وكانت الخطوة الأولى باتجاه التمدد التركي نحو الأناضول وإنشاء الإمبراطورية العثمانية، ولهذه جانب واسع من التحليل، خصوصاً في ظل تحرك تركيا الحالي لمساعدة المسلمين في الأماكن التي يتعرضون فيها للاضطهاد في مناطق مختلفة حول العالم.
الرئيس التركي قال مخاطباً شبيبة الحزب “كونوا مستعدين لـ 2053 و2071.. الهدف هو عام 2071، هدفنا نحن عام 2023، ولكن أنتم من ستقومون بتأسيس مستقبل تركيا حتى عام 2071، حتى ولو لم يكن الحاضرون سيشهدوا تحققه”.
وما بين هذين التاريخين؛ هناك خطة إستراتيجية وضعت للعام 2053؛ والتي تمثل مرور 600 عام على فتح القسطنينية “إسطنبول” على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453، حيث يرى أردوغان أنها نقطة تحول مهمة في نهضة تركيا ورقيها.
ويبدو واضحاً عدم وجود أية حدود أمام تحقيق تركيا لأهدافها الأساسية في أنها تصبح قوة إقليمية كبرى. وستكون تركيا في مكانة تمكنها من منافسة عمالقة العالم في عام 2053.
“فكرت أوزر”، سفير الجمهورية التركية الدبلوماسي التركي وسفير أنقرة لدى الدوحة يقول إن رؤية تركيا لعام 2023 وضعت لتتزامن مع ذكرى مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية وسنحتفل أيضا بعدها بثلاثين عاماً أي في عام 2053 بمرور 600 عام على فتح إسطنبول.
ويلخص الدبلوماسي التركي أهداف تركيا الإستراتيجية القريبة والمتوسطة بالقول، في تصريح صحفي له: “إن أهداف رؤيتنا وخططنا الاقتصادية لتركيا طموحة ومتعددة مثل أن يكون اقتصادها بحجم 2 تريليون دولار وزيادة صادراتها إلى 500 مليار دولار، وانجاز المشاريع الصحية ومطار اسطنبول وقناة اسطنبول، وتوصيل السكك الحديدية على جميع أراضيها، ورفع الدخل الفردي، وتطوير التعليم والتكنولوجيا والتصنيع، وأن تكون تركيا ضمن الدول العشر الأقوى اقتصاديا في العالم.
أما ما تسعى له تركيا في عام 2071؛ فقد وضع أردوغان هدفاً كبيراً للأجيال القادمة، يتمثّل في تحويل الأحلام إلى واقع ملموس، ينهض بتركيا عالمياً. وقال في حينه لشباب الحزب “ضعوا من الآن أهدافكم وأحلامكم .. نحن عملنا ومازلنا نعمل لكي نسلم لكم تركيا أفضل مما أخذناها، وأنا أؤمن أنكم ستوصلون تركيا بشكل أكبر وأقوى إلى الجيل القادم” بعد أكثر من نصف قرن.السبيل