في الأردن، وإذا استثنينا الكلام الرسمي، فإن كلمة “حزبي” لا تستخدم في وصف أي منتم لأي حزب.
إن مفردة “حزبي” لها قدر من الخصوصية، فهي تطلق على منتمي الأحزاب القديمة فقط مثل: البعث، والشيوعي، والتحرير الإسلامي و”الشعبية/ حزب الوحدة حالياً” و”الديمقراطية/ حزب حشد حاليا”، كما تطلق على الإخوان المسلمين، الذين كانوا قبل الديمقراطية يتجنبون كلمة “حزب” أو “حزبي” في وصف حالتهم، ويفضلون عليها كلمة “جماعة” فيما كان خصومهم ولا زالوا يطلقون عليهم وصف “اخونجيين”، وذلك ردا على أوصاف سابقة وجهوها هم أنفسهم لخصومهم مثل: ملاحدة وكفرة وزناديق.
أما منتمو الأحزاب الجديدة، أي عشرات الأحزاب التي نشأت بعد الانفتاح الديمقراطي، فلا يطلق عليهم وصف حزبي وحزبيين، إلا فيما بينهم أو عند المخاطبات الرسمية.
الملاحظة التي يهتم بها هذا المقال، هي أن كل من مر بتجربة الانضمام إلى حزب من الأحزاب الأولى قبل الديمقراطية، ظل يحتفظ بلقب حزبي حتى لو غادر الأحزاب كلها، بل حتى لو خاصمها. فهناك مثلاً وزراء لا يزالوا يوصفون كبعثيين وشيوعيين او يساريين أو إخوان، مع انهم غادروا الأحزاب منذ عقود.
لكن ما حصل في الواقع أن عدد الحزبيين “السابقين”، يفوق بكثير عدد الحزبيين الممارسين، أي الذين ما زالوا مسجلين كأعضاء في الأحزاب. يصح ذلك على جميع الأحزاب ولكن بشكل خاص على الأحزاب اليسارية والقومية، فيما ينتظر أن تتسع الظاهرة عند الإخوان بسبب التغيرات الأخيرة في صفوفهم.
لكن الملاحظة المضادة، هي أنه منذ عهد الفيسبوك وإخوانه (أقصد إخوان الفيسبوك)، فإن أغلب مغادري الأحزاب، عادوا لمنافسة الحزبيين الممارسين، مستغلين أن النشاط على الفيسبوك لا يتطلب الالتزام الحزبي باجتماعات أو دفع اشتراكات مالية، أو التزام ببرنامج ونظام داخلي، وغير ذلك من شروط التحزب “الكلاسيكي”.
يشكل هؤلاء الآن ظاهرة أقرب إلى “الأحزاب النفسية”، فهم يعيشون كحزبيين كاملي المواصفات؛ يحرضون، ويدينون، ويشجبون ويناشدون، ويتحالفون، وينظّمون العرائض ويصدرون البيانات، ويمتدحون من يرونه مبدئيا ويتهمون آخرين بالتخاذل، بل ويفصلون بعضهم، ويكثرون من استخدام كلمات “يجب” و”ينبغي”، ويعلنون ما يشبه التعميمات التنظيمية، ويذكّرون بعضهم بعضاً بمنشورات “بوستات” سبق أن كتبوها، وقد نشهد استعادة كبرى لعبارة “أثبت التاريخ صحة وجهة نظرنا”، ولكن هذه المرة على شكل: “أثبت الفيسبوك صحة وجهة نظرنا”.
ولحسن الحظ، فإن “أبو الفيسبوك” مشكورا، وفّر للجميع كامل أدوات العمل الحزبي النفسي، بل إن كل رفيق نفسي يمارس دوره كقائد، فبكبسة خفيفة تؤيد وتغضب وتستغرب وتشجب وتوسع دائرة المشاركة او تقلصها، بل قد تفصل رفيقاً او مجموعة رفاق، بكبسة أو كبستين على الأكثر، بل يمكن أن تنسق جانبياً وتشكل كتلة أو تياراً حزبياً نفسيا خاصا بجماعتك داخل الحزب النفسي الكبير.
أيها الإخوة والرفاق النفسيون في الأحزاب النفسية، إن مأساتنا تكمن في أن أحزابنا تحمل بذور فنائها في ذاتها، وذلك ببساطة بحكم تقدم العمر، فما هي إلا عشر سنوات او عشرين حتى تنتهي أعمار من تبقى منا نحن الرفاق القدامى قادة الأحزاب النفسية، ولن يجد أحدنا من يقف فوق قبره ويقول: “نم قرير العين أيها الرفيق”.
احمد ابو خليل