كتّاب

رسائل الأسماك!

يعدّ كتاب “رسائل الأسماك” (الصادر عن دار نشر تابعة للحرس الثوري الإيراني في طهران) من الكتب المهمة التي تقدّم جزءاً من الرواية الإيرانية للحرب الداخلية في سورية، من خلال مذكرات الجنرال حسين همداني التي كتبها لعلي بابايي، ويتحدث الكتاب عن حياة الجنرال ودوره في الحروب الإيرانية وفي قمع الثورة الخضراء في طهران، وشؤون عائلية، وعن دوره في مساعدة نظام الأسد على مواجهة المعارضة المسلحة إلى حين مقتله في سورية في أكتوبر 2015.
الصديقة الخبيرة المتعمّقة في الشأن الإيراني، د. فاطمة الصمادي، قدّمت قراءة للفصل الخاص بالتدخل في سورية (في مجلة سياسات عربية التي تصدر عن معهد الدوحة للدراسات)، وتحدّثت عن أبرز محاور الفصل وأهم المعلومات السريّة التي كشفها، وعن عادة كتابة المذكرات لدى السياسيين والمسؤولين الإيرانيين.
وتولّى الصديق د. عبد الرحمن الحاج، ترجمة الفصل من الفارسية إلى العربية، من خلال 5 حلقات، للتلفزيون السوري، بينما قامت فضائية الجزيرة بعرض الفصل الخاص في سورية من خلال فيلم قصير، ضمن أحد برامجها.
مهمة في سورية!
أحد فصول الكتاب، إذاً، يسرد جزءاً من قصة التدخل الإيراني في سورية، والمهمة التي أوكلت في بداية 2012 لحسين همداني (قائد فيلق الحرس الثوري في طهران، وأحد أبرز المسؤولين عن قمع الثورة الخضراء)، من خلال قائد الحرس الثوري نفسه، وبتزكية من قاسم سليماني، لإنقاذ نظام بشار الأسد، الذي كان يسيطر فقط على 25 % من الأراضي، وفقاً للكتاب نفسه.
يكشف الكتاب أنّ خامنئي عيّن حسن نصر الله مسؤولاً عن الملف السوري، وهو الذي ناقش معه همداني خطته، فاستبعد الجوانب المختلفة وأبقى الجانب العسكري والأمني وقال لهم “في البداية يجب أن ننقذ بشار وسلطات النظام من المستنقع، وبعد ذلك ننشغل بنظافتهم، ونخيّط لهم البدلة والإزار، ونجهّز لهم أفضل الطعام وهم يدرسون ويتعبّدون، ولكن مهمتكم الأولوية والضرورية في خريطة الطريق هي إنقاذهم من المستنقع”.
ويعترف همداني في كتابه أنّه بالرغم من مرور شهور طويلة على تدخلهم في سورية، إلاّ أنّ النظام كان على وشك السقوط في آذار 2013، بعد أن وصل المسلحون إلى جوار القصر الجمهوري، وسيطروا على أحياء في دمشق، وهرّب المسؤولون عائلاتهم، وكان بشار الأسد يبحث عن دولة يلجأ إليها، كما ذكر الجنرال، “وكان الأسد يرى أن الأمر بات محسوماً، وفكَّر في الهروب إلى دولة أخرى”.
بالطبع يرى همداني أنّه هو من أنقذ النظام السوري من خلال فتح مخازن الأسلحة للميليشيات الطائفية التي دربوها، لكن هذه الدعوى مبالغ تماماً فيها، فمن أنقذ النظام أولاً الأجندات الدولية والإقليمية التي اختبأت خلف ادعاء “الخشية من اليوم التالي لسقوط الأسد”، ثم الروس الذين تدخلوا في العام 2015 وقلبوا المعادلات رأساً على عقب.
لماذ رسائل الأسماك؟!
ما وراء اختيار عنوان رسائل الأسماك هو قصيدة للشاعر الإيراني سهراب بسهري يقول فيها: “إن كنت ترى الله في نبض الحديقة، فاجتهد وأخبره أن حوض الأسماء جاف لا ماء فيه”!، وهي الأبيات التي كان يرددها الهمداني نفسه، لكنّها في الواقع تعيد طرح السؤال من الزاوية الأخرى للرواية السورية: يا ترى من هي الأسماك الحقيقية؟! الشعب المظلوم الذي يبحث عن حريته وشُرّد من بلاده وقتل بمئات الآلاف أم النظام الاستبدادي الدموي؟!

د. محمد ابو رمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *