كتّاب

عزل الطريدة شرط لنجاح صيدها

استمتع الى اقصى الحدود بمشاهدة فضائية «ناشيونال جيوغرافيك- وايلد». وكنت في السابق اقرأ مجلتها العلمية البيئية الخلابة بشغف ومتعة كبيرين.
يلمس المتابع دون عناء، كم تنفق هذه القناة بسخاء على ما تعد وتعرض. وكم فيها من جهود تصوير جبارة خطيرة دقيقة فاتنة تتسم بالبحث والتدقيق والتنقيب الذي تعطي عصارته الى المشاهد.
لقد تمكن مصورو ومخرجو وكوادر القناة من جعل عالم الحيوان والطبيعة في متناولنا. فأصبحنا نعرف أكثر واكثر، من العلماء والمختصين عن غرائب وافعال وردود افعال الحيوانات والزواحف والقوارض والطيور والنباتات والحشرات في كرنفالية لونية بهيجة.
غاص مصورو ناشيونال جيوغرافيك العلماء الشجعان في اعماق المحيطات والبحار وقدموا التضحيات من كوادرهم وتعرفوا على اسماك القرش والحيتان والاخطبوطات والفقمات ورافقوها وهبطوا إلى القيعان الحالكة المظلمة وخرجوا لنا بدرر نفيسة لا يمل الإنسان من مشاهدتها وتأمل صنيع الخالق البديع واستخلاص العبر والحكمة من حركة وسلوك سكان تلك السفاري والبراري.
ونقلت لنا القناة بأناة ودقة وحرفية مذهلة، صراع الضواري المحتدم في كل جزء من الثانية، في البر والجو والبحر، من اجل البقاء والحياة.
ورأينا كيف ان القتل لا يكون للمتعة بل يكون من اجل البقاء. وعرفنا البنية التنظيمية للذئاب التي تكمن قوتها في الزمرة والمجموعة. فقوة الذئب الحقيقي هي من قوة الزمرة وقوة الزمرة من قوة الذئب. وعرفنا كيف تعمل الضواري ضمن فريق واحد في مهام الصيد -الغزو. حيث لكل فرد دور يؤديه في منظومة التخطيط والتنسيق والتربص والاختيار المحكم لزمن الإغارة وتوزيع الأدوار، بين من يقوم بإعثار الطريدة وايقاعها ارضًا، وبين من يمسكها من حنجرتها فيقطع الاوكسجين عنها، وبين من يُعمِل مخالبه وقواطعه في جسم الطريدة حتى تخور قواها.
وشاهدنا كيف ينطبق المثل «أكلت يوم أكل الثور الأبيض». وكيف تطيح الثيران بالأسُود وتمزقها وتهزمها عندما تتحد وتعمل كفريق واحد.
تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا،
وإذا افترقن تكسرت آحادا.
ولاحظنا -بلا عناء ايضًا- أن عزل الطريدة واستفرادها (درس مجاني لأمة العرب) هو من ابسط بدهيات الصيد واصوله وشروطه.
ولاحظنا كيف يحتدم الصراع على الزعامة والمكانة، حتى والثيران تتدافع على باب المسلخ !!.
سبحان الله. يتكرر بحذافيره وبنسخة كربونية، بين بني البشر، ما يجري من صراع في ادغال الحيوانات والطيور والبواهش والزواحف والقوارض والحشرات، حسب شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف.
اليوم هو الثاني من آب، ذكرى وقوع الغزو المشؤوم للكويت، الذي كان بداية نهاية استقرار الأمة وامنها، وبداية دخول وحوش الأرض الى بيتنا العربي.
ولا نزال لا نتعظ، ونفعل ما تفعل الثيران أحيانا!.

محمد داودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *