مسيرة التربية والتعليم الاردنية مثيرة للنقاش والجدل بعد ان كانت ثابتا من الثوابت الاردنية. لا اعرف بالضبط هل يعود ذلك الى محاولات المخططين الى تهيئة الجيل والخريجين للتفاعل والاندماج في الاقتصاد العالمي الحر ام هو نتاج لاحساس القائمين على التربية والتعليم بوجود ما يستدعي تخليص نظام التربية والتعليم من بعض المدخلات والممارسات والخبرات التي تعيق تفاعل الفرد وتحد من استجاباته لجهود إعداده للحياة.
في بدايات الالفية الثالثة اعلنت الوزارة بانها تتبنى اقتصاد المعرفة وتعمل على حوسبة التعليم الامر الذي دفع بالوزارة الى فتح معامل للحاسوب في مدارس المملكة ودون ان نعرف الاسباب اطل علينا بعض الوزراء لاحقا ليعلنوا ان الطلبة لا يجيدون مهارات القراءة والكتابة وان النظام التعليمي مصاب بداء الترهل ويحتاج الى معالجة جراحية طارئة تبدأ بضبط الامتحان حتى لو استدعى ذلك تحول الوزارة الى جهاز رقابي يعتمد في تنفيذ احد اولوياته على الاجهزة الامنية وديوان المحاسبة.
الخطوات التي اتخذتها الوزارة لضبط امتحان الثانوية العامة قوبلت بترحيب وتأييد رسمي شعبي واسع لاسباب يعود بعضها لرغبة الحكومة في الظهور بانها جادة وصارمة في مكافحة الفساد المدرسي باعتباره لا يرتب كلفا سياسية او اجتماعية ويرجع بعضها الآخر لارتفاع وتيرة النقد لظاهرة مساندة الاهالي وبعض اعضاء الهيئات التدريسية لاعمال الغش التي يمارسها الطلبة من خلال شبكات واسعة تخطط وتدير وتيسر العمليات وما يتسبب به ذلك من ضياع فرص الطلبة الجادين في الحصول على قواعد عادلة للتنافس وحماية حقوق الطلبة الجادين في الحصول على المقاعد التي استعدوا للحصول عليها.
اعادة الهيبة للثانوية العامة كانت الاولوية الاهم لوزارة التربية والتعليم على مدار ثلاثة اعوام قبل ان تعدل الحكومة ويأتي وزير آخر ليرفع شعار بأن الثانوية العامة ليست عقبة او حاجزا تستدعي الخوف او الطوارئ، ودعا الى تغيير النظرة والتعامل مع الطلبة ووعد باتخاذ اجراءات اضافية تغير كل ما اعتاد عليه الطلبة والاهالي قبل واثناء وبعد التقدم لامتحانها.
التغير الذي جرى على اكثر سنوات التعليم ارتباطا بمستقبل الفرد التعليمي والمهني كان محيرا لكل من راقب مسيرة التعليم في الاردن في العقود الثلاثة الماضية وما قبلها. فالانتقال الذي حصل من التركيز على الثانوية باعتبارها المؤشر الاهم والحاسم الذي يعبر عن مستوى اداء وقدرات الطلبة الى النظر لها باعتبارها امتدادا للمراحل التعليمية حيث اصبح بامكان الطالب ان يدخل لامتحاناتها بثقة وطمأنينة تساعدانه على تجاوزها بيسر متجنبا مخاوف الفشل والوصم التي طالما تسببت في تعثر الآلاف من الطلبة النابهين.
التغيير الذي يجري على مناهج التعليم والبيئة المدرسية واساليب التقويم والتصدي للعنف والتنمر قضايا تثير اهتمام الاهالي والعامة على حد سواء والتحول الذي جرى على اساليب ادارة الامتحانات واتجاهات الادارة التربوية نحو الطلبة في اقل من عامين يولد الكثير من الاسئلة حول الاسباب التي دعت الى هذه التحولات، وأي الاتجاهين اكثر ملاءمة؟ وما الاسباب التي دعت الى الانتقال من التشدد والحزم الى الليونة والتسامح؟
هذه الاسئلة وغيرها من الأسئلة المتعلقة بدواعي تغيير المناهج وآلية طرح المقترحات في التعديل او التغيير ومن يطرحها وما الدوافع وراء ذلك اسئلة تحتاج الى اجابات مقنعة تتجاوز الانطباعات والرغبات التي يبديها البعض من وقت لآخر.
د. صبري الربيحات