هي صباحات العيد يا أحمد، مثلما ودعنا يوماً صدام حسين وحبيب الزيودي فيها، نودعك اليوم، ٌشهيدا أردنيا جديدا يلتحق في سلسلة المجد والفداء.
في نهايات آب، حيث يقترب الغيم فوق مروج “بلعما” وأنت تعرفها، وتعرف معاريج هذه السماء ، وتعرف نجومها مثل النجمتين وهما يشعّان على كتفك، لكنه العهد ما بين العسكر والتراب حتى لو كانوا في عنان السماء يعودون إليه، فقد مرّ عليه العسكر والشهداء، وحموه ذات مساء من كيد الكائدين..
تصعدُ يا أحمد أيها الفتى الجميل وقد سابقت الشمس إلى ضحاها.. تصعدُ إلى طائرتك وقد أسرجت عليها كفارس، وتتفقد العلم على ذراعك، والنسر يعتلي صدرك، فأنت ملك الغيم وحارسها.. والخارطة على فخذك دليل، وهم لا يعرفون أن العسكر يرسمون جغرافية الوطن في قلوبهم، وهم الهداة لنا إن كسانا ليل أو تاهت بنا الدروب.
أجزمُ أنك لوّحت لزملائك وأنت تصعد نحو السماء، ولربما غمزت طياراً زميلاً لك، بأن يحضّر القهوة لحين العودة.. فأنت تعرف دروب الغيم كما تعرفُ ظاهر يدك، كما تعرفُ راحتي أبويك ودمعهم.
لم تودّع أهلك يوم سافرت، ولربما باعد الواجب بينك وبينهم سبعة بحور.. وهم الذين يودعونك لله كلمّا مررت بهم، وعقب كل صلاة، وكلمّا مرّت طائرة فوق موارس “حيّان” لوّحت أمك لها عسى أن تكون فيها ..
وأعرفُ أنّ بعض الخيل تخذل فرسانها .. وأعرفُ أنّ الشجاعة ما خبت منك، وأنت تبذل جهدك وتأخذ بلجام طائرتك حتى لا تسقط، ولكن هو قدر الله.. فما أخافك الموت، ولكن أوجعَ الموت يا أحمد في بلاد ليست بلادك، وعلى تراب غريب لا يشبه تراب بلادك ..
يا أحمد.. أنت وشهداء الجيش العربي، أنتم ملح الأرض وقناديل الدجى، يا من تشبهوننا، ويا من تحملون ملامحنا ، فأنتم العسكر وأنتم بقيّة الطاهرين في بلدنا ، وبقيّة الفقراء وحماتهم وبقيّة وجعنا ، وأنتم الملاذ إن مسّ عمان وأخواتها لا سمح الله كائن من كان .
ستبكيك ” الخالديات”.. وستزغر بنات عمك وأنت تمرّ ملفوفا بالعلم كالسيف في غمده، فشرف الشهادة لا يعلوه شرفٌ، والمجد لا يمنح بلا ثمن، ولا يُشترى، ولو كان يباع لإشتراه الفاسدون وتجار الوطنيات.. وخير الموت يا أحمد بين السيوف .. فما زالت بلادنا تنبتُ شهداء وعشاقا وفرسانا، وإن شحّ المطر والقمح يوما فالعسكر يفيضون علينا دما ومجدا.
سلامٌ عليك يا أحمد .. وسلام على الشهداء في بلادنا الذين يضيئون عتمات الليالي، ويسجّلون أسماءهم ” نشامى” .. سلمّ على معاذ وعلى راشد وعلى بقية الصحب هناك.. والسلام على دمع أمك وأهلك وزملاء لك ما بدّلوا تبديلاً.
محمد عبدالكريم الزيود