إمبراطورية عقارية دولية.. هل يُمكن استعادة أموال الأسد المُهرّبة؟
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أنّه عقب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، انطلقت الجهود الدولية لتعقّب الأموال والأصول التي خبأتها عائلة الأسد على مدار نصف قرن من الحكم الاستبدادي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية حققت في ثروات الأسرة الحاكمة السابقة، قولهم: إنّ عائلة الأسد أسست شبكة واسعة من الاستثمارات الخارجية والمصالح التجارية، التي تضمنت عقارات فاخرة في روسيا، وفنادق راقية في فيينا، وطائرة خاصة في دبي.
ورجّحت الصحيفة أنّ تكون عملية تعقّب هذه الثروات طويلة ومعقّدة، على غرار الجهود التي استمرت سنوات لاسترداد أموال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والليبي الراحل معمر القذافي المهرّبة إلى الخارج.
وفي هذا الإطار، يُخطّط محامو حقوق الإنسان لتوسيع التحقيقات لتعقّب المزيد من أصول عائلة الأسد المهرّبة، على أمل إعادتها إلى خزينة الدولة السورية، خاصة بعد الكشف عن توترات داخل العائلة بسبب توزيع هذه الثروات.
وقال أندرو تابلر، المسؤول السابق في البيت الأبيض الذي تعرف على أصول أفراد عائلة الأسد من خلال عمله على العقوبات الأميركية على النظام السوري: "استغلّت عائلة الأسد عقودًا طويلة قبل الثورة لغسل الأموال والاستعداد لخطة بديلة في المنفى".
ولا تُعرف القيمة الحقيقية لثروة عائلة الأسد، وكيفية توزيع الأصول بين أفرادها، لكن تقريرًا صدر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2022، قدّر قيمة الشركات والأصول المرتبطة بالعائلة بما يتراوح بين مليار و12 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن ثروة الأسد جُمعت في كثير من الأحيان، من خلال احتكارات الدولة وتجارة المخدرات، وخاصة الكبتاغون، مع إعادة استثمار جزء منها في مناطق خارج نطاق القانون الدولي.
كما استمرّت ثروة عائلة الأسد في النمو، بينما كان السوريون يعانون جراء الحرب التي بدأت عام 2011، والتي دفعت نحو 70% من السكان إلى الفقر، وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2022.
واستعرضت "وول ستريت جورنال" الخلفيات التجارية لبعض شخصيات النظام البارزة، ومنهم أسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع والتي تحمل الجنسية البريطانية، وعملت سابقًا في مصرف "جي بي مورغان".
ووصف توبي كادمان، المحامي المتخصّص في حقوق الإنسان لدى مكاتب "غيرنيكا 37" للعدالة الدولية في لندن، عائلة الأسد بأنّها تمتلك "خبرة كبيرة في العنف الإجرامي والجريمة المالية".
تحديات كبيرة
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجهود الدولية لتعقّب ثروة عائلة الأسد تُواجه تحديات كبيرة، إذ دفعت العقوبات الأميركية الطويلة الأمد على النظام السوري شبكات النظام المالية إلى إخفاء الثروات في ملاذات ضريبية آمنة في الخارج.
وأظهرت تجارب سابقة كتعقّب مليارات صدام حسين ومعمر القذافي، أنّ عمليات الاسترداد غالبًا ما تكون معقّدة وطويلة الأمد، حيث يتم التعامل مع شركات وهمية ودعاوى قضائية دولية لتحقيق نجاحات محدودة.
شجرة عائلة الأسد -وول ستريت جورنال
ورغم هذه الصعوبات، تمكّنت فرق قانونية من تجميد بعض أصول عائلة الأسد. ففي عام 2019، جمّدت محكمة في باريس ممتلكات بقيمة 90 مليون يورو (95 مليون دولار) لرفعت الأسد عم بشار الأسد، بعد أن قضت المحكمة أنّ هذه الأصول جُمعت عبر عمليات غسل أموال من أموال عامة منهوبة.
غير أنّ ويليام بوردون المحامي الذي رفع القضية في باريس، رأى أنّ استرداد الأموال في الملاذات الضريبية مثل دبي وروسيا سيكون أكثر صعوبة، موضحًا أنّه على المحققين أن يطلبوا أوامر دولية بتجميد الأصول ثم فرض استردادها، وسط عدم وضوح حول الجهة التي ستتلقّى هذه الأموال.
آل مخلوف.. "أمناء خزينة النظام"
وبدأت عائلة الأسد بجمع ثروتها الضخمة بعد أن تولى حافظ الأسد السلطة في انقلاب أبيض عام 1970، مستغلة موارد الدولة ومواقع النفوذ لتعزيز ثروتها.
وفي هذا الإطار، أوضح أيمن عبد النور، وهو صديق لبشار الأسد خلال دراسته الجامعية، أنّ حافظ الأسد منح صهره محمد مخلوف، الذي كان حينها موظفًا في شركة طيران، مسؤولية احتكار استيراد التبغ في سوريا، وهو قطاع مربح ساعد مخلوف على بناء نفوذ مالي كبير.
كما استفاد محمد مخلوف من عمولات ضخمة من قطاع البناء المزدهر في عهد حافظ الأسد. وعندما خلف بشار والده عام 2000، نقل محمد مخلوف إمبراطوريته إلى ابنه رامي.
ولاحقًا، أصبح رامي مخلوف المموّل الرئيسي للنظام السوري، حيث تنوّعت أصوله بين قطاعات المصارف والإعلام والأسواق الحرة والطيران والاتصالات، وبلغت ثروته نحو 10 مليارات دولار، وفقًا لتقديرات وزارة الخارجية الأميركية.
وفرضت الحكومة الأميركية عقوبات على مخلوف عام 2008، بتهمة الاستفادة من الفساد العام للنظام السوري وتسهيله.
ووصف المحامي بوردون أفراد عائلة مخلوف بأنّهم "أمناء خزينة" النظام، حيث مارسوا دورًا محوريًا في جني الأموال لصالح رئيس النظام وتمويله عند الحاجة.
تجارة المخدرات
أدت الحرب السورية عام 2011 إلى توسّع مصادر دخل عائلة الأسد، حيث قاد ماهر، الشقيق الأصغر لبشار الأسد، الفرقة المدرّعة الرابعة في سوريا، والتي شاركت في تهريب الكبتاغون إلى بقية دول الشرق الأوسط، وفقًا لوزارة الخارجية الأميركية.
وفي هذا الإطار، ذكر مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، وهو منظمة بحثية تتابع تجارة المخدرات في المنطقة، أنّ عائدات المخدرات شكّلت مصدر دخل لسنوات للنظام في مواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية، حيث بلغ متوسط عائداتها السنوية حوالي 2.4 مليار دولار بين عامي 2020 و2022.
ونقلت الصحيفة عن مصادر استخبارية أوروبية ومستشار سابق للنظام السوري، قولهم: إنّ ماهر الأسد بدأ استثماراته الخارجية قبل الحرب الأهلية، حيث امتلك أصولًا في الأرجنتين، من بينها مزرعة للشاي.
الخلاف مع رامي مخلوف
وكشفت دراسة أجراها مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطن عام 2018، استنادًا إلى بيانات عقارية من مصادر موثوقة، أنّ عائلة مخلوف اشترت عقارات فاخرة بدبي تبلغ قيمتها حوالي 3.9 ملايين دولار، بما في ذلك قصور على جزيرة نخلة جميرا الاصطناعية.
وذكرت وثائق حصل عليها مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد، أنّ عائلة مخلوف استثمرت 20 مليون يورو في فنادق "بوتيك" في فيينا وامتياز مرتبط بصالة "بودا بار" الفاخرة ذات الأصول الفرنسية.
ووجد تحقيق لمنظمة "غلوبال ويتنس" لمكافحة الفساد عام 2019، أن أفرادًا من عائلة مخلوف يمتلكون عقارات بقيمة 40 مليون دولار في ناطحات سحاب فاخرة بموسكو.
ووسط معاناة الشعب السوري جراء الحرب الأهلية، أثارت مظاهر استعراض الثروة من قِبل أبناء رامي مخلوف موجة من الانتقادات. فقد ظهر الابنان في صور عبر وسائل التواصل الاجتماعي داخل نوادٍ ليلية فاخرة في دبي، وهما يقودان سيارات "فيراري"، ويحملان زجاجات شمبانيا، ويظهران في صالات رياضية.
وفي إعلان مدفوع على مواقع إعلامية، قال محمد الابن الأكبر لرامي مخلوف، إنه أنفق 43 مليون دولار لتخصيص طائرة خاصة في دبي، تضمّ غرفتي معيشة وحمامًا فاخرًا.
وبعد سقوط النظام السوري، لم تتوفر معلومات عن مكان وجود رامي مخلوف أو ماهر الأسد.
أسماء الأسد تُشرف على تفكيك إمبراطورية رامي مخلوف
وعام 2020، توترت العلاقات التجارية داخل النظام السوري، حيث قام بشار الأسد بتهميش ابن خاله رامي مخلوف علنًا، ووُضع مخلوف رهن الإقامة الجبرية، وتم تحويل العديد من شركاته إلى إدارة الدولة.
ورغم غموض تفاصيل الخلاف، يُعتقد أن الأسد كان يسعى لتعزيز قبضته على الاقتصاد السوري المتدهور.
وقال مستشار للنظام السابق ودبلوماسي أوروبي إنّه في سياق تفكيك إمبراطورية رامي مخلوف الاقتصادية، أشرفت أسماء الأسد زوجة بشار، على الاستيلاء على أصوله داخل سوريا، عبر شبكة من المقربين، بما في ذلك السيطرة على شركة اتصالات كبرى.
في عام 2020، فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على أسماء الأسد، متهمةً إياها وأفرادًا من عائلتها بالاستفادة من الحرب في سوريا لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وذكرت الوزارة أن أسماء وعائلتها راكموا "ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري" عبر شبكة واسعة النطاق تمتد إلى أوروبا ودول الخليج وأماكن أخرى.
وأكد المحامي الحقوقي الفرنسي وليام بوردون أن "استعادة هذه الأموال للشعب السوري واجب أخلاقي".