+
أأ
-

العناق السياسي والاجتماعي للاقتصاد والمديونية

{title}

الدين سِمةٌ متلازمة مع الاقتصاد.. وكما أن الاقتصاد ظل للسياسة… فكذلك السياسة والوضع الاجتماعي… أيضًا ظل للاقتصاد.. فعندما تزيد مديونية أي دولة عن ناتجها المحلي بنسب عالية كأن يتجاوز 110% مثلًا، يصبح عندها للدولة مؤشر خطير.. وهذا يعني أن كل دولار ناتج محلي مدين بذاته وزيادة 10%.. وهذا يستدعي معرفة أسباب وعواقب هذا الدين الذي هو نذير بين يدي الدولة..

فمن أسباب الدين للدول الضعف الاقتصادي للدولة، والذي يتمثل بنقص الواردات للدولة مقارنة مع ارتفاع الإنفاق الحكومي، وبالتالي يؤدي إلى عجز مزمن ومتراكم في الموازنات العامة للدولة، والذي يعضده الاعتماد على القروض سواء المحلية أو الخارجية لتمويل مشاريع وسد العجز الحكومي.. وقد تؤثر الظروف الجيوسياسية التي يعيشها العالم سلبًا على النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم.

وارتفاع الدين الحكومي له تأثير سلبي على اقتصاد الدولة.. يتمثل في ارتفاع أعباء خدمة فوائد الدين العام.. فيُخصص له نسبة من إجمالي الإنفاق الحكومي… وهذا يكون على حساب الإنفاق التنموي في البنية التحتية والصحة والتعليم.. وهذا له تأثير يُضعف ثقة المستثمرين بالبلد نظرًا لارتفاع نسبة الديون.

وفي نهاية المطاف يكون مواطن الدولة هو المتلقي لنتائج هذه السياسات المتعثرة.. بصورة زيادة في الضرائب والرسوم لتحصيل إيرادات إضافية.. ولجوء الدولة إلى رفع الدعم الحكومي عن بعض المواد الأساسية.. وكل هذا يؤدي إلى ضعف الخدمات الحكومية.. وارتفاع البطالة لضعف الاستثمارات.

وهنا، للخروج من مثل هذه المآزق، لا بد للحكومات من تعزيز الإيرادات وترشيد الاستهلاك والإنفاق.. والعمل لتحريك النمو الاقتصادي.. والاستفادة من وإدارة المساعدات الدولية المقدمة لتلك الدول.

وتأثير الدين لا يقتصر على ما أسلفنا بل يتعداه إلى التأثير على السيادة الوطنية للبلدان المدينة، ويتمثل في تقييد القرار الاقتصادي.. من خلال اتخاذ سياسات اقتصادية ومالية تتماشى مع شروط الجهات الدائنة (كصندوق النقد والبنك الدولي)، ولا ننسى أن الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية يؤدي إلى كسل الاقتصاد ونموه وتآكله.. وبالتالي عجزه وانحرافه عن هدفه وهياكله الإنتاجية.. وقد يستدعي تدخل الجهات المقرضة لضمان استرداد ديونها.

وبالتأكيد فإن هناك تأثيرًا للدين على السياسة الخارجية للبلدان المدينة.. مثل أن تظطر الدول المدينة إلى تعزيز علاقاتها مع الدول المانحة.. لضمان استمرار المساعدات والقروض.. وقد يدفعها إلى تحالفات اقتصادية وسياسية يكون لها مردود مالي… حتى لو تعدت الخط السياسي المسموح به… وهذا قد يقود إلى تأثر المواقف الدبلوماسية لمصالح تخدم الدائنين، وهذا يؤدي إلى تراجع الدور الإقليمي والدولي للبلد المدين.. فيضعف دوره الإقليمي في التأثير على قضاياه… وكذلك القضايا الدولية.. وقد تصل الحال إلى التبعية في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد تصل الأمور إلى تغييرات تشريعية تؤثر في الداخل.. الثقافي والتعليمي.. لتلبية متطلبات وشروط القروض والمنح المقدمة لتلك الدول.

وفي المحصلة، مجموع تأثيرات سلبية لابد أن تعيشها تلك المجتمعات.. ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب رفع الضرائب وقلة الدعم الحكومي على السلع.. وزيادة الفجوة الطبقية مما يعزز الشعور بالظلم والقهر الاجتماعي.. مما يشجع العقول.. والشباب على الهجرة.

وعلى الجانب الآخر، يُحدث الدين وآثاره السلبية تصورات عاصفة بين الشعوب وأنظمتها، يتمثل بأمور منها ضعف الثقة في الحكومة.. وشعور بعدم كفاءتها.. كسوء إدارة شؤون الدولة.. ومواردها وسياساتها الاقتصادية.. وهذا قد يؤدي إلى زيادة الاحتجاجات الشعبية الناتجة عن الفساد والتقشف وزيادة الضرائب،… ومسايرة الدائنين قد يؤدي إلى تآكل شرعيات الدولة السياسية.. وهذا ما يفتح الباب للخصوم لاستغلال المعارضة والغضب الشعبي لتوظيفه في غير محله.. وخلق متاعب إضافية للدولة هي بغنى عنها.

في الختام، لا بد لتلك الدول من تعزيز الشعور الاجتماعي من خلال إظهار الشفافية والمشاركة وإطلاع المواطنين على حقيقة الأمور ومحاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة. ولا بد من محاربة الفساد وإحقاق العدالة الاجتماعية بحماية المواطنين من الفقر وإتاحة الفرص لكل كفء.. ولا بد من إيلاء التعليم والثقافة جزءًا كبيرًا من المسؤولية والاهتمام به.. ولا بدّ من التواصل الدائم بين الحكومات والمجتمع.. ليعرف ويطمئن الشعب على نفسه وموطنه.